مرتبة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم بمعرفة السنة وأئمتها، ثم تحدث عن التمييز بين الرواة وبيان طبقاتهم، فقال (ص ٥: ٧)
التمييز بين الرواة: قال أبو محمد: فلما لم نجد سبيلاً إلى معرفة شئ من معانى كتاب الله ولا من سنن رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا من جهة النقل والرواية، وجب أن نميز بين عدول الناقلة والرواة وثقاتهم وأهل الحفظ والثبت والإتقان منهم، وبين أهل الغفلة والوهم وسوء الحفظ والكذب واختراع الأحاديث الكاذبة.
ولما كان الدين هو الذى جاءنا عن الله عز وجل وعن رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنقل الرواة حق علينا معرفتهم، ووجب الفحص عن الناقلة والبحث عن أحوالهم، وإثبات الذين عرفناهم بشرائط العدالة والثبت في الرواية مما يقتضيه حكم العدالة في نقل الحديث وروايته، بأن يكونوا أمناء في أنفسهم، علماء بدينهم، أهل ورع وتقوى وحفظ للحديث وإتقان به وتثبت فيه، وأن يكونوا أهل تمييز وتحصيل لا يشوبهم كثير من الغفلات، ولا تغلب عليهم الأوهام فيما قد حفظوه ووعوه، ولا يشبه عليهم بالأغلوطات.
وأن يعزل عنهم الذين جرحهم أهل العدالة وكشفوا لنا عن عوراتهم في كذبهم وما كان يعتريهم من غالب الغفلة وسوء الحفظ وكثرة الغلط والسهو والاشتباه، ليعرف به أدلة هذا الدين وأمناء الله في أرضه على كتابه وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهم هؤلاء أهل العدالة، فيتمسك بالذى رووه، ويعتمد عليه، ويحكم به، وأهل الغفلة والنسيان والغلط ورداءة الحفظ، فيكشف عن حالهم وينبأ عن الوجوه التي كان مجرى روايتهم عليها، إن كذب فكذب، وإن وهم فوهم، وإن غلط فغلط، وهؤلاء هم أهل الجرح فيسقط حديث من وجب منهم أن يسقط حديثه ولا يعبأ به ولا يعمل عليه، ويكتب حديث من وجب كتب حديثه منهم على معنى الاعتبار، ومن حديث بعضهم الآداب الجميلة والمواعظ الحسنة والرقائق والترغيب والترهيب هذا أو نحوه.