للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد ورد عن طريق الشيعة روايات تفيد عدم إيجاب المقدم، فحاولوا تخريجها: (١) مثال ذلك ما روى عن الإمام الصادق أنه سئل عن الرجل يمسح رأسه من خلفه وعليه عمامة بأصبعه أيجزيه ذلك؟ فقال: نعم. فحمله الطوسى على أنه أدخل الأصبع من الخلف، فمسح بها مقدم الرأس، واحتمل أن يكون الخبر خرج مخرج التقية، لأن ذلك مذهب بعض العامة.

ولا أدرى لم ترفع العمامة ويضع الإنسان يده من الخلف ليمسح المقدم؟ أهذا هو الذي فهمه الإمام الصادق من السائل فقال: نعم؟ أم أنه جبن فقال ذلك تقية لأنه مذهب بعض العامة؟ إنى أربأ بالصادق أن يكون بهذا الخلل من الفهم، أو بهذه المنزلة من الجبن.

ورواية أخرى عن الإمام الصادق أيضاً أنه سئل عن المسح على الرأس فقال: كأنى أنظر إلى عكنة في قفاء أبى يمر عليها يده. وغير ذلك مما لم يستطع الطوسى تخريجه إلا على التقية، وهو تخريج لا يمكن أن يقبل بحال، فإذا كان السائل يسأل عن المسح فلو أجيب بمسح مقدم الرأس لوافقت الرواية روايات ثبتت عند كثير من أهل السنة، كتلك التى احتج بها الإمام الشافعي، ثم ما الذي يدعو إلى الكذب في قوله " كأني أنظر إلى عكنة في قفاء أبى "؟ فلم احتاج إلى الاستشهاد بهذا الدليل، ولم يكتف بتحديد موضع المسح ولو تقية؟ أهو الإيغال في الكذب والجبن؟ كان الأجدر بالطوسى أن يحمل هذه الأخبار جميعها على جواز المقدم وغيره، فينتفي التعارض، بدلاً من أن ينزل إلى هذا المستوى في تخريجاته. وروى عن الإمام الصادق " مسح الرأس واحدة من مقدم الرأس ومؤخره، ومسح القدمين ظاهرهما وباطنهما ". ومعلوم أن جمهور المسلمين يقول بغسل الرجلين لا مسحهما، ومع هذا حمل الخبر على التقية (٢) ! .


(١) انظر الروايات، وتخريجها في: الاستبصار جـ ١ ص ٦٠-٦١، والوسائل جـ ٢ ص ١٤-١٥.
(٢) انظر الوسائل جـ ٢ ص ١٧-١٨.

<<  <   >  >>