للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كثيرًا ما يحذفون الكسور في كلامهم، أو أنهما إنما اعتبرا قرن جبريل، ، به . فإنه قد روى الإمام أحمد أنه قرن به، ، ميكائيل في ابتداء الأمر، يلقي إليه الكلمة والشيء، ثم قرن به جبريل.

ووجه مناسبة هذا الحديث بفضائل القرآن: أنه ابتدئ بنزوله في مكان شريف، وهو البلد الحرام، كما أنه كان في زمن شريف وهو شهر رمضان، فاجتمع له شرف الزمان والمكان؛ ولهذا يستحب إكثار تلاوة القرآن في شهر رمضان، لأنه ابتدئ نزوله فيه، ولهذا كان جبريل يعارض به رسول اللَّه في كل سنة في شهر رمضان، فلما كان في السنة التي توفي فيها عارضه به مرتين تأكيدًا وتثبيتًا.

وأيضًا في هذا الحديث بيان أنه من القرآن مَكِّي ومنه مدني، فالمكي: ما نزل قبل الهجرة، والمدنى: ما نزل بعد الهجرة، سواء كان بالمدينة أو بغيرها من أي البلاد كان، حتى ولو كان بمكة أو عرفة. وقد أجمعوا على سور أنها من المكي وأخر أنها من المدني، واختلفوا في أخر، وأراد بعضهم ضبط ذلك بضوابط في تقييدها عسر ونظر، ولكن قال بعضهم: كل سورة في أولها شيء من الحروف المقطعة فهي مكية إلا البقرة وآل عمران، كما أن كل سورة فيها: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ فهي مدنية وما فيها: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ فيحتمل أن يكون من هذا ومن هذا، والغالب أنه مكي. وقد يكون مدنيًّا كما في البقرة: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (١٠)، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ (١١).

قال أبو عبيد (١٢): حدثنا أبو معاوية، حدثنا من سمع الأعمش يحدث عن إبراهيم بن علقمة: كل شيء في القرآن: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ فإنه أنزل بالمدينة، وما كان ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ فإنه أنزل بمكة.

ثم قال (١٣): حدثنا علي بن معبد، عن أبي المُلَيْح، عن ميمون بن مِهْران، قال: ما كان في القرآن: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ و ﴿يَا بَني آدَم﴾ فإنه مكي، وما كان: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ فإنه مدني.


(١٠) -[البقرة: ٢٠].
(١١) -[البقرة: ١٦٨].
(١٢) - فضائل القرآن (ص ٣٦٧)، ورواه ابن الضريس في فضائل القرآن أيضًا (٢٦)، وقد رواه البزار (٣/ ٢١٨٦) من حديث قيس بن الربيع، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن ابن مسعود؛ وقال: لا نعلمُ أحدًا أعنده إلا قيس، وغيره يرسله.
ورواه الحاكم (٣/ ١٨) من طريق الجراح بن مليح الرؤاسي، عن الأعمش، بمثل رواية قيس.
(١٣) - فضائل القرآن (ص ٣٦٧).