ومنهم من يقول: إن بعض السور نزل مرتين، مرة بالمدينة ومرة بمكة، واللَّه أعلم. ومنهم من يستثني من المكي آيات يدعي أنها من المدني، كما في سورة الحج وغيرها.
والحق في ذلك ما دل عليه الدليل الصحيح، فاللَّه أعلم.
وقال أبو عبيد: حدثنا عبد اللَّه بن صالح، عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، قال: نزلت بالمدينة سورة البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنفال، والتوبة، والحج، والنور، والأحزاب، والذين كفروا، والفتح، والحديد، والمجادلة، والحشر، والممتحنة، والحواريون، والتغابن، ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ﴾، و ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ﴾، والفجر، ﴿وَاللَّيلِ إِذَا يَغْشَى﴾ و ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيلَةِ الْقَدْرِ﴾ و ﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ و ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ﴾ و ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ﴾ وسَائر ذلك بمكة (١٤).
وهذا إسناد صحيح عن ابن أبي طلحة مشهور، وهو أحد أصحاب ابن عباس الذين رووا عنه التفسير، وقد ذكر في المدني سورًا في كونها مدنية نظر، وفاته الحجرات والمعوذات.
الحديث الثاني:
وقال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا معتمر قال: سمعت أبي، عن أبي عثمان قال: أنبئت أن جبريل، ﵇، أتى النبي ﷺ وعنده أم سلمة، فجعل يتحدث، فقال النبي ﷺ:"من هذا؟ " أو كما قال، قالت: هذا دحية الكلبي، فلما قام قالت: واللَّه ما حسبته إلا إياه، حتى سمعت خطة النبي ﷺ يُخبر خبَر جبريل. أو كما قال، قال أبي: فقلت لأبي عثمان: ممن سمعت هذا؟ فقال: من
(١٤) - فضائل القرآن (ص ٣٦٥)، ورواه ابن الضريس في فضائله ص (٣٣، ٣٤)، وعلي بن أبي طلحة: واسمه سالم بن المخارق الهاشمي، يكنى أبا الحسن، وقيل غير ذلك، أصله من الجزيرة، وانتقل إلى حمص، ررى عن ابن عباس ولم يسمع منه، بينهما مجاهد، قال الميموني عن أحمد: له أشياء منكرات، وهو من أهل حمص، وقال الآجري عن أبي داود: وهو إن شاء اللَّه مستقيم الحديث، ولكن له رأي سوء، كان هي السيف، وقد رآه حجاج بن محمد، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال دحيم: لم يسمع التفسير من ابن عباس، وقال صالح بن محمد: روى عنه الكوفيون والشاميون وغيرهم، وقال يعقوب بن سفيان: ضعيف الحديث منكر، ليس محمود المذهب، وقال في موضع آخر: شامي ليس هو بمتروك ولا هو حجة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: روى عن ابن عباس ولم يره، وذكر الخطيب أن أحمد بن حنبل قال: إن علي بن أبي طلحة الذي روى عنه الثوري والحسن بن صالح ورآه حجاج الأعور، كوفي، غير الشامي، والصواب أنهما واحد، قال أبو بكر بن عيسى صاحب تاريخ حمص: مات سنة ثلاث وأربعين ومائة، له عند مسلم حديث واحد، في ذكر العزل، وروى له الباقون حديثًا آخر في الفرائض. ونقل البخاري من تفسيره رواية معاوية بن صالح عنه، عن ابن عباس شيئًا كثيرًا في التراجم وغيرها، ولكنه لا يسميه، يقول: قال ابن عباس، أو يذكر عن ابن عباس، ووثقه الحجلي.