للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كل كتاب أنزله، وذلك أن معنى الحديث: ما من نبي إلا أعطي من المعجزات ما آمن عليه البشر، أي: ما كان دليلًا على تصديقه فيما جاءهم به واتبعه من اتبعه من البشر، ثم لما مات الأنبياء لم تبق لهم معجبزة بعدهم إلا ما يحكيه أتباعهم عما شاهدوه في زمانه، فأما الرسول الخاتم للرسالة محمد فإنما كان معظم ما آتاه اللَّه وحيًا منه إليه منقولًا إلى الناس بالتواتر، ففي كل حين هو كما أنزل، فلهذا قال: "فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا"، وكذلك وقع، فإن أتباعه أكثر من أتباع الأنبياء لعمومِ رسالته ودوامها إلى قيام الساعة، واستمرار معجزته، ولهذا قال اللَّه : ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالمِينَ نَذِيرًا﴾ (١٩) وقال تعالى: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ (٢٠)، ثم تقاصر معهم إلى عشر سور منه فقال: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ (٢١) ثم تحداهم إلى أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا، فقال: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ (٢٢)، وقصر التحدي على هذا المقام في السور المكية كما ذكرنا وفي المدنية أيضًا كما في سورة البقرة، حيث يقول تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ (٢٣) فَأخبرهم بأنهم عاجزون عن معارضته بمثله، وأنهم لا يفحلون ذلك في المستقبل أيضًا، وهذا وهُم أفصح الخلق وأعلمهم بالبلاغة والشعر وقريض الكلام وضروبه، لكن جاءهم من اللَّه ما لا قبل لاحد من البشر به من الكلام الفصيح البليغ الوجيز، المحتوي على العلوم الكثيرة الصحيحة النافعة، والأجبار الصادقة عن الغيوب الماضية والآتية، والأحكام العادلة والمحكمة، كما قال تعالى: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا﴾ (٢٤).

وقال الإمام أحمد بن حنبل: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا أبي، حدثنا محمد بن إسحاق قال: ذكر محمد بن كعب القرظي، عن الحارث بن عبد اللَّه الأعور قال قلت: لآتين أمير المؤمنين، فلأسألنه عما سمعت العشية قال: فجئته بعد العشاء، فدخلت عليه، فذكر الحديث.

قال: ثم قال: سمعت رسول اللَّه يقول: "أتاني جبريل فقال: يا محمد، أمتك مختلفة بعدك". قال: "فقلت له: فأين المَخْرَج يا جبريل؟ " قال: فقال: "كتاب اللَّه به يَقْصِم اللَّه كلَّ جبار، من اعتصم به نجا، ومن تركه هلك -مرتين- قول


(١٩) -[الفرقان: ١].
(٢٠) -[الإسراء: ٨٨].
(٢١) -[هود:١٣].
(٢٢) -[يونس: ٣٨].
(٢٣) -[البقرة: ٢٤، ٢٣].
(٢٤) -[الأنعام: ١١٥].