للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله: ﴿وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾ قيل: معناه إذا دعوا للتحمل فعليهم الإِجابة. وهو قول قتادة والربيع بن أنس. وهذا كقوله: ﴿وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ﴾ ومن هاهنا استفيد أن تحمل الشهادة فرض كفاية وقيل -وهو مذهب الجمهور-: المراد بقوله: ﴿وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾ للأداء، لحقيقة [١] قوله الشهداء والشاهد حقيقة فيمن تحمل فإذا دعي لأدائها فعليه الإجابة إذا تعينت، وإلا فهو فرض كفاية، والله أعلم.

وقال مجاهد وأبو مجلز وغير واحد: إذا دعيت لتشهد فأنت بالخيار، وإذا شهدت فدعيت فأجب.

وقد ثبت في صحيح مسلم (١٧٢٧)، والسنن من طريق مالك، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن عثمان، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن زيد بن خالد، أن رسول الله قال: "ألا أخبركم بخير الشهداء؟ الذي يأتي بشهادته قبل أن يُسألها".

فأما الحديث الآخر في الصحيحين (١٧٢٨): " ألا أخبركم بشر الشهداء؟ الذين يشهدون قبل أن يستشهدوا [٢] ". وكذا قوله: "ثم يأتي قوم تسبق أيمانهم شهادتهم، وتسبق شهادتهم أيمانهم". وفي رواية: "ثم يأتي قوم يشهدون ولا يستشهدون". فهؤلاء شهود الزور. وقد روي عن ابن عباس والحسن البصىري أنها تعم الحالين: التحمل، والأداء.

وقوله: ﴿وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ﴾ هذا من تمام الإِرشاد، وهو الأمر بكتابة الحق صغيرًا كان أو كبيرًا، فقال: ولا تسأموا. أي: لا تملوا أن تكتبوا الحق علي أي حال كان من القلة والكثرة إلى أجله.

وقوله: ﴿ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا﴾ أي: هذا الذي أمرناكم به من الكتابة للحق إذا كان مؤجلًا هو أقسط عند الله أي: أعدل. وأقوم للشهادة، أي: أثبت للشاهد إذا وضع خطه ثم رآه تذكر به الشهادة، لاحتمال أنه لو لم


(١٧٢٧) - صحيح مسلم، كتاب الأقضية، حديث (١٧١٩)، وسنن أبي داود، كتاب الأقضية حديث (٣٥٩٦)، وسنن الترمذي، كتاب الشهادات حديث (٢٢٩٦، ٢٢٩٥)، وسنن النسائي الكبرى حديث (٦٠٥٩)، وسنن ابن ماجة، كتاب الأحكام حديث (٢٣٦٤).
(١٧٢٨) - صحيح البخاري، كتاب الرقاق حديث (٦٤٢٨)، وصحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة حديث (٢٥٣٥).