يكتبه أن ينساه، كما هو الواقع غالبًا ﴿وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا﴾ وأقرب إلي عدم الريبة، بل ترجعون [١] عند التنازع إلي الكتاب الذي كتبتموه فيفصل بينكم بلا ريبة.
وقوله: ﴿إلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَينَكُمْ فَلَيسَ عَلَيكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا﴾ أي: إذا كان البيع بالحاضر يدًا بيد فلا بأس بعدم الكتابة؛ لانتفاء المحذور في تركها.
فأما الإِشهاد على البيع فقد قال تعالى: ﴿وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ﴾ قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، حدثني يحيى بن عبد الله بن بكير، حدثني ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينار، عن سعيد بن جبير، في قول الله تعالى: ﴿وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ﴾ يعني: أشهدوا على حقكم إذا كان فيه أجل، أو لم يكن [فيه أجل][٢]، فأشهدوا على حقكم على كل حال. قال: وروي عن جابر بن زيد، ومجاهد، وعطاء، والضحاك نحو ذلك.
وقال الشعبي، والحسن: هذا الأمر منسوخ بقوله: ﴿فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ﴾.
وهذا الأمر محمول عند الجمهور علي الإِرشاد والندب لا على الوجوب، والدليل علي ذلك حديث خزيمة بن ثابت الأنصاري، وقد رواه الإمام أحمد (١٧٢٩): حدَّثنا أبو اليمان، حدَّثنا شعيب عن الزهري، حدّثني عمارة بن خزيمة الأنصاري، أن عمه حدثه -وهو من أصحاب النبي- ﷺ أن النبي ﷺ ابتاع فرسًا من أعرابي فاستتبعه النبي ﷺ ليقضيه ثمن فرسه، فأسرع النبي ﷺ وأبطأ الأعرابي فطفق رجال يعترضون الأعرابي فيساومونه بالفرس، ولا يشعرون أن النبي ﷺ ابتاعه حتى زاد بعضهم الأعرابي في السوم على ثمن الفرس الذي ابتاعه النبي ﷺ فنادى الأعرابي النبي ﷺ فقال: إن كنت مبتاعًا هذا الفرس فابتعه وإلا بعته. فقام النبي ﷺ حين سمع نداء الأعرابي، قال:"أو ليس قد ابعته منك؟ " قال الأعرابي: لا والله ما بعتك. فقال النبي ﷺ:"بل قد ابتعته منك". فطفق الناس يلوذون بالنبي ﷺ والأعرابي وهما يتراجعان، فطفق الأعرابي يقول: هلم شهيدًا يشهد أني بايعتك. فمن جاء من المسلمين قال للأعرابي: ويلك! إن النبي ﷺ لم يكن يقول إلا حقًّا. حتى جاء خزيمة
(١٧٢٩) - المسند (٥/ ٢١٦)، وأخرجه أبو داود: كتاب الأقضية باب شهادة أهل الذمة في الوصية في السفر (٣/ ٣٠٦، ٣٠٧ / رقم: ٣٦٠٧). والنسائي: كتاب البيوع باب التسهيل في ترك الإشهار على البيع. (٧/ ٣٠١، ٣٠٢ / رقم: ٤٦٤٧). كلاهما من طريق الزهري به.