للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من سر قوله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩)[الحجر: ٩] فجمع الصديق الخير وكف الشرور، وأرضاه. ولهذا رُوي عن غير واحد من الأئمة منهم وَكِيع وابن مهدي وقبيصة، عن سفيان الثَّوري، عن إسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكبير، عن عبد خير، عن علي بن أبي طالب، ، أنَّه قال: أعظم الناس أجرًا في المصاحف أَبو بكر، إن أبا بكر كان أول من جمع القرآن بين اللوحين (٥٢). هذا إسناد صحيح.

وقال أَبو بكر بن أبي داود في كتاب المصاحف: حدَّثنا هارون بن إسحاق، حدَّثنا عبدة، عن هشام، عن أبيه، أن أبا بكر هو الذي جمع القرآن بعد النبي ، يقول: ختمه (٥٣). صحيح أيضًا.

وكان عمر بن الخطاب، ، هو الذي تنبه لذلك لما استحر القتل بالقراء، أي اشتد القتل وكثر في قراء القرآن يوم اليمامة -يعني يوم اليمامة- يعني: يوم قتال مسيلمة الكذاب وأصحابه من بني حنيفة بأرض اليمامة في حديقة الموت، وذلك أن مسيلمة التف معه من المرتدين قريب من مائة ألف، فجهز الصديق لقتاله خالد بن الوليد في قريب من ثلاثة عشر ألفًا، فالتقوا معهم، فانكشف الجيش الإسلامي لكثرة من فيه من الأعراب، فنادى القراء من كبار الصحابة: يا خالد، يقولون: ميزنا من هؤلاء الأعراب فتميزوا منهم، وانفردوا، فكانوا قريبًا من ثلاثة آلاف، ثم صدقوا الحملة، وقاتلوا قتالًا شديدًا، وجعلوا يتنادون، يا أصحاب سورة البقرة، فلم يزل ذلك دأبهم حتَّى فتح الله عليهم ووَلَّى جيش الكفار فارًّا، وأتبعتهم السيوف المسلمة في أقفيتهم قتلًا وأسرًا، وقتل الله مسيلمة، وفرق شمل أصحابه، ثم رجعوا إلى الإسلام، ولكن قتل من القراء يومئذ قريب من خمسمائة، ، فلهذا أشار عمر على الصدِّيق بأن يجمع القرآن؛ لئلا يذهب منه شيء بسبب موت من يكون يحفظه من الصحابة بعد ذلك في مواطن القتال، فإذا كتب وحفظ صار ذلك محفوظًا فلا فرق بين حياة من بلغه أو موته، فراجعه الصديق قليلًا ليستثبت الأمر، ثم وافقه، وكذلك راجعهما زيد بن ثابت في ذلك ثم صار إلى ما رأياه، أجمعين، وهذا المقام من أعظم فضائل زيد بن ثابت الأنصاري؛ ولهذا قال أَبو بكر بن أبي داود:

حدَّثنا عبد الله بن محمد بن خَلَّاد، حدَّثنا يزيد، حدَّثنا مبارك بن فضالة، عن الحسن؛ أن عمر بن الخطاب سأل عن آية من كتاب الله فقيل: كانت مع فلان فقتل يوم اليمامة، فقال: إنا لله، فأمر بالقرآن فجمع فكان أول من جمعه في المصحف (٥٤).


(٥٢) - رواه ابن أبي داود في المصاحف (ص ٥)، وابن أبي شيبة (١٠/ ٥٤٤).
(٥٣) - منقطع، عروة بن الزبير لم يدرك أبا بكر والحديث في المصاحف (ص ٥).
(٥٤) - المصاحف (ص ١٠). والمبارك بن فضالة ضعيف ومدلس.