للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نقلتُ هذه من على ظهر الجزء الأول من أجزاء المؤلف]

قال البخاري: حدَّثنا موسى بن إسماعيل، حدَّثنا إبراهيم بن سعد، حدَّثنا ابن شهاب، عن عبيد بن السباق، أن زيد بن ثابت قال: أرسل إليَّ أَبو بكر - مقتل أهل اليمامة - فإذا عمر بن الخطاب عنده، فقال أَبو بكر: إن عمر بن الخطاب أتاني، فقال: إن القتل قد استَحَرَّ (٤٦) بقُرَّاء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن. فقلت لعمر: كيف نفعل شيئًا لم يفعله رسول الله ؟ قال عمر: هذا والله خير، فلم يزل عمر يراجعني حتَّى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر. قال زيد: قال: أَبو بكر: إنك رجل شاب عاقل لانتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله ، فتتبع القرآن فاجمعه، فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان عليَّ أثقل مما أمرني به من جمع القرآن. قلت: كيف تفعلون شيئًا لم يفعله رسول الله ؟ قال: هو والله خير. فلم يزل أَبو بكر يراجعني حتَّى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر، ، فتتبعت القرآن أجمعه من العُسُب (٤٧) واللِّخَاف (٤٨) وصدور الرجال، ووجدتِ آخر بسورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع غيره (٤٩): ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ﴾ [التوبة: ١٢٨]، حتَّى خاتمة براءة، فكانت الصحف عند أبي بكر حتَّى توفاه الله، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر، (٥٠).

وقد روى البخاري هذا الحديث في غير موضع من كتابه، ورواه الإمام أحمد والتِّرمِذي والنَّسائي من طرق عن الزُّهْريّ، به (٥١).

وهذا من أحسن وأجل وأعظم ما فعله الصديق، ، فإنه أقامه الله بعد النبي مقامًا لا ينبغي لأحد بعده، قاتل الأعداء من مانعي الزكاة، والمرتدين، والفرس والروم، ونفذ الجيوش، وبعث البعوث والسرايا، ورد الأمر إلى نصابه بعد الخوف من تفرقه وذهابه، وجمع القرآن العظيم من أماكنه المتفرقة حتَّى تمكن القارئ من حفظه كله، وكان هذا


(٤٦) - استحر القتل: أي اشتد، ومحر، وهو استفعل من الحَرِّ: الشدة.
(٤٧) - العُسب: جريد النخل، مما لم ينبت عليه الخوص، والمفرد: عسيب.
(٤٨) - اللخاف: حجارة بيض رقاق، والمفرد: لحفة.
(٤٩) - قال الحافظ في الفتح (٩/ ١٥): يعني مكتوبة.
(٥٠) - صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب: جمع القرآن برقم (٤٩٨٦).
(٥١) - صحيح البخاري، كتاب التفسير، ونضائل القرآن برقم (٤٦٧٩، ٤٩٨٩)، وأحمد في المسند ٥٧ - (١/ ١٠)، والتِّرمِذي في تفسير القرآن برقم (٣١٠٣)، والنَّسائي في الكبرى برقم (٧٩٩٥).