في الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة [١] قصيرة يجهر بالقراءة فلما قام إلى الثالثة ابتدأ [٢] القراءة فدنوت منه حتى أن ثيابي لتمس ثيابه، فقرأ هذه الآية: ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا﴾ الآية.
وقوله ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾ أي: يقولون في دعائهم: إنك يا ربنا ستجمع بين خلقك يوم معادهم، وتفصل بينهم وتحكم بينهم [٣] فيما اختلفوا فيه وتجزي كلًّا بعمله، وما كان عليه في الدنيا من خير وشر.
يخبر تعالى عن الكفار بأنهم [٤] وقود النار ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾ وليس ما أوتوه في الدنيا من الأموال والأولاد بنافع لهم عند الله، ولا بمنجيهم من عذابه وأليم عقابه، بل كما قال تعالى: ﴿وَلَا تُعْجِبْكَ [٥] أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ﴾ وقال تعالى: ﴿لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (١٩٦) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾ كما قال هاهنا: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أي: بآيات الله وكذبوا رسله [][٦]، وخالفوا كتابه، ولم ينتفعوا بوحيه إلى أنبيائه ﴿لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ﴾ أي: حطبها الذي تسجر [٧] به وتوقد به، كقوله: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ الآية.
وقال ابن أبي حاتم (٣٦): حدثنا أبي، حدثنا ابن أبي مريم، أخبرنا ابن لهيعة، أخبرني ابن الهاد، عن هند بنت الحارث، عن أم الفضل -أم عبد الله بن عباس- قالت: بينما نحن بمكة، قام رسول الله ﷺ من الليل فقال:"اللهم هل بلغت، اللهم هل بلغت". اللَّهم [٨]
(٣٦) - رواه ابن أبي حاتم في تفسيره (٢/ ٩٠) رقم (١٥٢)، وأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (١٢/ ٢٥٠، ٢٥١) رقم (١٣٠١٩)، وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" (١/ ١٩١) وقال: رجاله ثقات، إلا أن هند بنت الحارث الخثعمية التابعية لم أر من وثقها ولا من جرحها. وذكرها ابن حبان (٥/ ٥١٧).