للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ وهم المسلمون ﴿وَأُخْرَى كَافِرَةٌ﴾ وهم مشركو قريش يوم بدر.

وقوله: ﴿يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيهِمْ رَأْيَ الْعَينِ﴾ قال بعض العلماء فيما حكاه ابن جرير (٣٩): يرى المشركون يوم بدر، أن المسلمين مثليهم في العدد رأي أعينهم أي: جعل الله ذلك فيما رأوه سببًا لنصرة الإِسلام عليهم، وهذا لا إشكال عليه إلَّا من جهة واحدة، وهي: أن المشركين بعثوا عمر بن سعد يومئدٍ قبل القتال يحزر [١] لهم المسلمين، فأخبرهم بأنَّهم ثلاثمائة يزيدون قليلًا، أو ينقصون قليلًا، وهكذا كان الأمر. كانوا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلًا، ثم لما وقع القتال أمدهم الله بألف من خواص الملائكة وساداتهم.

(والقول الثاني [٢] أن المعنى في قوله تعالى: ﴿يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيهِمْ رَأْيَ الْعَينِ﴾ أي: ترى [٣] الفئةُ المسلمة الفئةَ [٤] الكافرةَ مثليهم، أي: ضِعْفَيهِم في العدد، ومع هذا نصرهم الله عليهم، وهذا لا إشكال فيه على ما رواه العوفي عن ابن عبَّاس: أن المؤمنين كانوا يوم بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلًا، والمشركين [٥] كانوا ستمائة وستة وعشرين رجلًا. وكأن هذا القول مأخوذ من ظاهر هذه الآية، ولكنه خلاف المشهور عند أهل التواريخ والسير وأيام الناس، وخلاف المعروف عند الجمهور، من أن المشركين كانوا مما بين التسعمائة إلى الألف، كما رواه محمد بن إسحاق، عن يزيد بن رومان، عن عروة بن الزُّبَير أن رسول الله لما سأل ذلك العبد الأسود لبني الحجاج عن عدّة قريش قال: كثير، قال: "كم ينحرون كل يوم؟ " قال [٦]: ينحرون [٧] يومًا تسعًا ويومًا عشرًا، فقال النبي، : "القوم ما بين التسعمائة إلى الألف" (٤٠).

وروى [٨] أَبو إسحاق السبيعي [٩] حارثة، عن علي، ، قال: كانوا ألفًا.


(٣٩) - ذكره ابن جرير في تفسيره (٦/ ٢٣٣: ٢٣٥ - شاكر).
(٤٠) - أورده ابن هشام في "السيرة" (٢/ ٤٤٩)، والبيهقي في "دلائل النبوة" (٤٢١٣)، وابن جرير في تفسيره (٦/ ٢٣٦، ٢٣٧ - شاكر) رقم (٦٦٨٥)، وابن كثير في البداية والنهاية (٣٢٣١٣) عن ابن إسحاق عن يزيد بن رومان، عن عروة مرسلًا.
وأخرجه مسلم في صحيحه، كئاب: الجهاد والسير، حديث (١٧٧٩/ ٨٣) من حديث أَنس بنحوه مختصرًا. وأخرجه أحمد في "مسنده" (١/ ١١٧)، وابن أبي شيبة في "المصنف": (٨/ ٤٧٢) من حديث علي بن أبي طالب ببعضه وسنده صحيح.