والمشهور أنهم كانوا ما بين التسعمائة إلى الألف، وعلى كل تقدير فقد كانوا ثلاثة أمثال المسلمين، وعلى هذا فيشكل هذا القول، والله أعلم. لكن وجه ابن جرير (٤١) هذا وجعله صحيحًا، كما تقول: عندي ألف وأنا محتاج إلى مثليها، وتكون محتاجًا إلى ثلاثة آلاف. كذا قال: وعلى هذا فلا إشكال.
لكن بقي سؤال آخر وهو وارد على القولين، وهو أن يقال: ما الجمع بين هذه الآية، وبين قوله تعالى في قصة بدر: ﴿وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا﴾ والجواب: أن هذا كان في حال، والآخر كان في حال [١]، أخرى، كما قال السدي، عن الطب، عن ابن مسعود في قوده تعالى: ﴿قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَينِ الْتَقَتَا﴾ الآية. قال: هذا يوم بدر.
قال عبد الله بن مسعود: وقد نظرنا إلى الشركين فرأيناهم يضعفون علينا، ثم نظرنا إليهم فما رأيناهم يزيدون علينا رجلًا واحدًا. وذلك قوله تعالى: ﴿وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ﴾ الآية.
وقال أَبو إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود ﵁، قال: لقد قللوا في أعيننا حتَّى قلت لرجل إلى جانبي: تراهم سبعين؟ قال: أراهم مائة. قال: فأسرنا رجلًا منهم، فقلنا: كم كنتم؟ قال: ألفًا.
فعندما عاين كل من الفريقين الآخر رأى المسلمون المشركين مثليهم أي: أكثر منهم بالضعف، ليتوكلوا ويتوجهوا ويطلبوا الإعانة من ربهم، ﷿، ورأى المشركون المؤمنين كذلك، ليحصل لهم الرعب والخوف والجزع والهلع؛ ثم لما حصل التصافُّ [٢] والتقى الفريقان، قلل الله هؤلاء في أعين هؤلاء، وهؤلاء في أعين هؤلاء، ليقدم كل منهما على الآخر ﴿لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا﴾ أي: ليفرِّق بين الحق والباطل، فيظهر كلمة الإِيمان على الكفر والطغيان [٣]، ويعزّ المؤمنين ويذل الكافرين، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ﴾ وقال هاهنا: ﴿وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ﴾ أي: أن في ذلك لمعتبرًا لمن له بصيرة وفهم، يهتدي به إلى حكمة الله وأفعاله، وقدره الجاري بنصر عباده المؤمنين في هذه الحياة الدنيا، ويوم يقوم الأشهاد.