للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كما قال تعالى: ﴿يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ﴾ فما رأى من أعماله حسنًا سره ذلك وأفرحه، وما رأى من قبيح ساءه وغاظه، وودّ لو أنه تبرأ منه، وأن يكون بينهما [أمد بعيد] [١]، كما يقول لشيطانه الذي كان مقترنًا به في الدنيا وهو الذي جزأه [٢] على فعل السوء ﴿يَاليتَ بَينِي وَبَينَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَينِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ﴾.

ثم قال تعالى مؤكدًا، ومهددًا [٣]، ومتوعدًا: ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ﴾ أي: يخوّفكم عقابه. ثم قال مرجيًا لعباده [لئلا ييئسوا] [٤] من رحمته ويقنطوا من لطفه: ﴿وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾ قال الحسن البصري: من رأفته بهم حذرهم نفسه. وقال غيره: أي: رحيم بخلقه، يحب لهم أن يستقيموا على صراطه المستقيم ودينه القويم، وأن يتبعوا رسوله الكريم.

﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣١) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (٣٢)

هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادّعى محبة الله، وليس هو على الطريقة المحمدية، فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر، حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله، وأحواله [٥]، كما ثبت في الصحيح (٨٥) عن رسول الله أنه قال: "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو ردّ"؛ ولهذا قال: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ أي: يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبتكم إياه، وهو محبته إياكم، وهو أعظم من الأول، كما قال بعض [العلماء الحكماء]: ليس الشأن أن تُحِبَّ، إنما الشأن أن تُحَبَّ. وقال الحسن البصري وغيره من السلف: زعم قوم أنهم يحبون الله فابتلاهم الله بهذه الآية فقال: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾.

وقد قال ابن أبي حاتم (٨٦): حدثنا أبي، حدثنا علي بن محمد الطنافسي، حدثنا عبيد الله بن


(٨٥) - سبق تخريجه سورة البقرة آية (١١٢).
(٨٦) - أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (٢/ ٢٠٢ - ٢٠٣) رقم ٣٧٦.) والحاكم في "المستدرك" (٢/ ٢٩١)، والعقيلي في "الضعفاء" (٣/ ٦٠ - ٦١) رقم (١٠٢٤). وصححه الحاكم، وتعقبه الذهبي بقوله: قلت: عبد الأعلى؛ قال الدارقطني: ليس بثقة. وعبد الأعلى بن أعين الكوفي مولى بني شيبان: ضعيف من السابعة كما في التقريب، وقد روى عن يحيى بن أبي كثير المناكير، وقال العقيلي:=