للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: ثم سردها القرطبي، وحاصلها ما أنا مورده ملخصا:

فالأول - وهو قول أكثر أهل العلم، منهم سفيان بن عيينة، وعبد الله بن وَهْب، وأَبو جعفر بن جرير، والطحاوي -: أن المراد سبعة أوجه من المعاني المتقاربة بألفاظ مختلفة نحو: أقبل وتعال وهلم. وقال الطحاوي: وأيين ما ذكر في ذلك حديث أبي بكرة قال: جاء جبريل إلى رسول الله فقال: اقرأ على حرف، ققال ميكائيل: استزده فقال: اقرأ على حرفين، فقال ميكائيل: استزده، حتَّى بلغ سبعة أحرف، فقال: اقرأ فكل شاف كاف إلَّا أن تخلط آية رحمة بآية عذاب، أو آية عذاب بآية رحمة، على نحو هلم وتعال وأقبل واذهب وأسرع وعجل.

ورُوي عن ورقاء عن ابن أبي نَجِيح، عن مجاهد، عن ابن عبَّاس، عن أبيّ بن كعب: أنَّه كان يقرأ: ﴿يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ﴾ (١٥٣): " للذين آمنوا أمهلونا" "للذين آمنوا أخرونا" "للذين آمنوا ارقبونا"، وكان يقرأ: "كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ﴾ (١٥٤): " مروا فيه" "سعوا فيه". قال الطحاوي وغيره: وإنَّما كان ذلك رخصة أن يقرأ الناس القرآن على سبع لغات، وذلك لَما كان يتعسر على كثير من الناس التلاوة على لغة قريش، وقرأه رسول الله لعدم علمهم بالكتابة والضبط وإتقان الحفظ وقد ادّعى الطحاوي والقاضي الباقلاني والشيخ أَبو عمر بن عبد البر أن ذلك كان رخصة في أول الأمر، ثم نسخ بزوال العذر وتيسر الحفظ وكثرة الضبط وتعلم الكتابة.

قلت: وقال بعضهم: إنما كان الذي جمعهم على قراءة واحدة أمير المؤمنين عثمان بن عفان، ، أحد الخلفاء الراشدين المهدين المأمور باتباعهم، وإنَّما جمعهم عليها لما رأى من اختلافهم في القراءة المفضية إلى تفرق الأمة وتكفير بعضهم بعضا، فرتب لهم المصاحف الأئمة على العرضة الأخيرة التي عارض بها جبريل رسول الله في آخر رمضان من عمره، ، وعزم عليهم ألا يقرءوا بغيرها، وألا يتعاطوا الرخصة التي كانت لهم فيها سعة، ولكنها أدت إلى الفرقة والاختلاف، كما ألزم عمر بن الخطاب الناس بالطلاق الثلاث المجموعة حتَّى تتابعوا فيها وأكثروا منها، قال: فلو أنا أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم. وكان كذلك ينهى عن المتعة في أشهر الحج لئلا تُقْطع زيارة البيت في غير أشهر الحج. وقد كان أَبو موسى يفتي بالتمتع فترك فتياه اتباعا لأمير المؤمنين وسمعا وطاعة للأئمة المهديين.

القول الثاني: أن القرآن نزل على سبعة أحرف، وليس المراد أن جميعه يقرأ على سبعة أحرف، ولكن بعضه على حرف وبعضه على حرف آخر. قال الخطابي: وقد يقرأ بعضه بالسبع لغات كما في قوله: ﴿وَعَبَدَ الطَّاغُوتِ﴾ (١٥٥) و ﴿يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ﴾ (١٥٦). قال القرطبي:


(١٥٣) -[الحديد: ١٣].
(١٥٤) -[البقرة: ٢٠].
(١٥٥) -[المائدة: ٦٠].
(١٥٦) -[يوسف: ١٢].