قال عبد الرزاق (٣٩٤): أخبرنا معمر، عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن عبيدة، قال: شهدت عليًّا وجاءته امرأة وزوجها، مع كل واحد منهما فئام من الناس، فأخرج هؤلاء حكمًا، وهؤلاء حكمًا، فقال على للحكمين: أتدريان ما عليكما؟ إن عليكما إن رأيتما أن تجمعا جمعتما. فقالت المرأة: رضيت بكتاب [١]- الله لي وعلي. وقال الزوج: أمّا الفرقة فلا. فقال علي: كذبت والله، لا تبرح حتى ترضي بكتاب الله ﷿ لك وعليك.
رواه ابن أبي حاتم، ورواه ابن جرير، عن يعقوب، عن ابن علية، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن عبيدة، عن علي -مثله، ورواه من وجه آخر، عن ابن سيرين، عن عبيدة، عن علي، به.
وهذا مذهب جمهور العلماء على أن الحكمين إليهما الجمع والتفرقة، حتى قال إبراهيم النخعي: إن شاء الحكمان أن يفرقا بينهما بطلقة أو بطلقتين أو ثلاثًا فعلا. وهو رواية عن مالك.
وقال الحسن البصري: الحكمان يحكمان في الجمع [ولا يحكمان في][٢] التفرقة [٣]. وكذا قال قتادة وزيد ابن أسلم، وبه قال أحمد بن حنبل وأبو ثور وداود. ومأخذهم قوله تعالى: ﴿إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا﴾. ولم يذكر التفريق.
وأما إذا كانا وكيلين من جهة الزوجين، فإنه ينفذ حكمهما [٤] في الجمع والتفرقة بلا خلاف. وقد اختلف الأئمة في الحكمين: هل هما منصوبان من جهة [٥] الحاكم، فيحكمان وإن لم يرض الزوجان، أو هما وكيلان من جهة الزوجين، على قولين. والجمهور على الأول؛ لقوله تعالى: ﴿فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا﴾ فسماهما حكمين، ومن شأن الحكم أن يحكم بغير رضا المحكوم عليه، وهذا ظاهر الآية، والجديد من مذهب الشافعي، وهو قول أبي حنيفة
(٣٩٤) - أخرجه عبد الرزاق في تفسيره (١/ ١٥٨، ١٥٩) وفي "المصنف" (٦/ ١١٨٨٣) ومن طريقه أخرجه ابن أبي حاتم (٣/ ٥٢٨٢) وأخرجه ابن جرير (٨/ ٩٤٠٩) حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية عن أيوب به ورواه ابن جرير أيضًا (٨/ ٩٤٠٨، ٩٤٠٩) من طرق عن ابن سيرين به وأخرجه "الأم" (٥/ ١٧٧) ومن طريقه وطرق أخرى البيهقي في "السنن الكبري" (٧/ ٣٠٥، ٣٠٦) عن أيوب به وقال الشافعي: "حديث على ثابت عندنا".