للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهذا ثابت عن ابن عباس، ، ولا ينافي ما تقدم عن عائشة، ؛ لأنها أخبرت أن أصل الصلاة ركعتان، ولكن زِيد في صلاة الحضر، فلما استقر ذلك، صح أن يقال: إن فرض صلاة الحضر أربع، كما قاله ابن عباس، والله أعلم، لكن اتفق حديث ابن عباس وعائشة على أن صلاة السفر ركعتان، وأنها تامة غير مقصورة، كما هو مصرح به في حديث عمر، ، وإذا كان كذلك، فيكون المراد بقوله تعالى: ﴿فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ﴾ قصر الكيفية كما في صلاة الخوف، ولهذا قال: ﴿إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا﴾، ولهذا قال بعدها: ﴿وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ﴾ الآية [١]، فبين المقصود من القصر هاهنا، وذكر صفته وكيفيته، ولهذا لما عقد [٢] البخاري (٧٥٩): " كتاب صلاة الخوف"، صدره بقوله تعالى: ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ﴾، إلى قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا﴾.

وهكذا قال جوبير، عن الضحاك في قوله: ﴿فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ﴾، قال: ذاك عند القتال، يصلي الرجل الراكب تكبيرتين حيث كان وجهه.

وقال أسباط عن السدي في قوله: ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ﴾ الآية، إن الصلاة إذا صليت ركعتين في السفر فهي تمام، التقصير لا يحل إلا أن تخاف من الذين كفروا أن يفتنوك عن الصلاة. فالتقصير ركعة.

وقال ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ﴿فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ﴾ يوم


= "المنتخب" (٦١٨) من طريق رَوْح بن عُبادة، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٣/ ١٥٨) من طريق الأوزاعي ثلاثتهم (وكيع وروح والأوزاعي) ثنا أسامة بن زيد، قال: سألت طاوسًا عن السبحة في السفر، والحسن بن مسلم بن يَنَّاق جالس عنده، فقال: حدثني طاوسُ أنه سمع ابن عباس يقول: فرض رسول الله صلاة الحضر، وصلاة السفر، فكنا نصلي في الحضر قبلهما وبعدها، وكُنا نصلي في السفر قبلها وبعدها". قال البوصيري في "الزوائد" (١/ ٣٥٦): "هذا إسناد حسن لقصور أسامة بن زيد عن درجة أهل الحفظ والضبط، وباقي رجال الإسناد ثقات" غير أنه صح عن عبد الله بن عمر - عند البخاري (١١٠٢) ومسلم (٦٨٩) وغيرهما - أنه قال: صحبت رسول الله فكان لا يزيد في السفر على ركعتين، وأبا بكر وعمر وعثمان كذلك، .
(٧٥٩) - انظر: "فتح الباري" (٢/ ٤٢٩).