للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حنبل، حدثني عبد الله بن سلمة بن عياش العامري، حدثنا صدقة بن هرمز [١]، عن أبي غالب، عن أبي أمامة فذكر نحوه، رزاد بعد قوله: بعد تيك الشربة. فسمعتهم يقولون: أتاكم رجلٍ من سراة قومكم، فلم تمجعوه [٢] بمذقة، [فأتونى بمذقة] [٣]، فقلت: لا حاجة لي فيها؛ إِن الله [٤] أطعمني وسقاني، وأريتهم بطي، فأسلموا عن آخرهم (٤٤).

وما أحسن ما أنشد الأعشى في قصيدته التي ذكرها ابن اِسحاق (٤٥):

وإِياك والميتات [لا تقربنها] [٥] … ولا تأخذن عظمًا حديدًا فتفصدا [٦]

أي: لا تفعل [فعل] [٧] الجاهلية، وذلك أن أحدهم كان إِذا جاع أخذ [٨] شيحًا محددًا من عظم ونحوه، فيفصد به بعيره، أو حيوانًا من أي صنف كان، فيجمع ما يخرج منه من الدم فيشربه، ولهذا حرم الله الدم على هذه الأمة، ثم قال الأعشى:

وذا النصب المنصوب لا تأتينه … ولا تعبد الأوثان والله فاعبدا

قوله ﴿وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ﴾ يعني: اِنسيه ووحشيه، واللحم يعم جميع أجزائه، حتى الشحم، ولا يحتاج إلى تحذلق الظاهرية في جمودهم هاهنا، وتعسفهم في الاحتجاج بقوله: ﴿فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا﴾ يعنون قوله تعالى: ﴿إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ﴾ أعادوا الضمير فيما فهموه على الخنزير حتى يعم جميع أجزائه، وهذا بعيد من حيث اللغة، فإنه لا يعود الضمير إِلا إِلى المضاف دون المضاف إِليه، والأظهر أن اللحم يعم جميع الأجزاء، كما هو المفهوم من لغة العرب، ومن العرف المطرد. وفى صحيح مسلم (٤٦) عن بريدة بن الخصيب الأسلمي قال: قال رسول الله : "من لعب بالنردشير؛ فكأنما صبغ يده في لحم خنزير ودمه"، فإذا كان هذا [التنفير لمجرد اللمس] [٩]، فكيف يكون التهديد والوعيد الأكيد على أكله والتغذي به.


(٤٤) - تقلم رقم (٤٥).
(٤٥) - انظر سيرة ابن هشام (١/ ٢٥٩).
(٤٦) - أخرجه مسلم في صحيحه كتاب الشعر، باب: تحريم اللعب بالنردشير الحديث (١٠/ ٢٢٦٠) من حديث سليمان بن بريدة عن أبيه.