للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا وإِن كان واردًا على سبب خاص، فالعبرة بعموم اللفظ عند جمهور من العلماء في الأصول والفروع، كما سئل عن البتع، وهو نبيذ العسل، فقال: "كل شراب أسكر فهو حرام" (٥٨). أفيقول فقيه: إن هذا اللفظ مخصوص بشراب العسل؟ وهكذا [هذا] [١] سألوه عن شيء من الذكاة، فقال لهم كلامًا عامًّا يشمل ذاك المسئول عنه وغيره؛ لأنه كان [٢] قد أوتي جوامع الكلم.

إِذا تقرر هذا فما صدمه الكلب، أو غمه بثقله؛ ليس مما أنهر دمه فلا يخل لمفهوم هذا الحديث، فإِن قيل: هذا الحديث ليس من هذا القبيل بشيء؛ لأنهم إِنما سألوه [٣] عن الآلة التي يُذَكَّي بها، و [٤] لم يسألوه عن الشيء الذي يُذَكَّي، ولهذا استثني من ذلك السن والظفر، حيث قال: "ليس السنّ والظفر، وسأحدثكم عن ذلك، أما السن فعظم، وأما الظفر فمدي الحبشة" (٥٩) والمستثني يدل على جنس المستثني منه، وإِلا لم يكن متصلًا، فدل على أن المسئول عنه هو الآلة، فلا يبقي فيه دلالة لما ذكرتم.

فالجواب [٥] عن هذا بأن في الكلام ما يشكل عليكم أيضًا، حيث يقول: "ما أنهر الدم، وذكر اسم الله عليه، فكلوه". ولم يقل فاذبحوا به، فهذا يؤخذ منه الحكمان معًا، يؤخذ حكم الآلة التي يذكي بها، وحكم المذكي، وأنه لابد من إِنهار دمه بآلة ليست سنًّا ولا ظفرًا، هذا مسلك.

والمسلك الثاني: طريقة المزني، وهي أن السهم جاء التصريح فيه بأنه إن قتل بعرضه فلا تأكل، وإِن خزق فكل، والكلب جاء مطلقًا فيحمل على ما قيد هناك من الخزق؛ لأنهما اشتركا في الموجب، وهو الصيد، فيجب الحمل هنا، واِن اختلف السبب، كما وجب حمل مطلق الإِعتاق في الظهار على تقييده بالإِيمان في القتل، بل هذا أولى، وهذا يتوجه له


(٥٨) - أخرجه البخاري كتاب الوضوء، باب: لا يجوز الوضوء بالنبيذ ولا السكر، الحديث (٢٤٢)، وفي الأشربة، باب: الخمر من العسل، وهو البتع الحديث (٥٥٨٥)، (٥٥٨٦)، ومسلم في الأشربة، باب: بيان أن كل مسكر خمر، وأن كل خمر حرام الحديث (٢٠٠١)، من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة، .
(٥٩) - جزء من حديث رافع المتقدم رقم (٦٠).