للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على من يسلم له أصل هذه القاعدة، من حيث هي، وليس في خلاف بين الأصحاب قاطبة - فلابدّ لهم من جواب عن هذا. وله أن يقول: هذا قتله الكلب بثقله، فلم يحل؛ قياسًا على ما قتله السهم بعرضه، والجامع أن كلًّا منهما آلة للصيد، وقد مات بثقله فيهما، ولا يعارض ذلك بعموم الآية؛ لأن القياس مقدم على العموم، كما هو مذهب الأئمة الأربعة والجمهور، وهذا مسلك حسن أيضًا.

(مسلك [١]- آخر): وهو أن قوله تعالى: ﴿فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ﴾ عام فيما قتلن بجرح أو غيره، لكن هذا المقتول على هذه الصورة المتنازع فيها لا يخلو إِما أن يكون نطيحًا أو في حكمه، أو منخنقًا أو في حكمه، وأيا مّا كان؛ فيجب تقديم هذه الآية على تلك؛ لوجوه:

(أحدها): أن الشارع قد اعتبر حكم هذه الآية حالة الصيد، حيث يقول لعدي بن حاتم: "وإِن أصابه بعرضه [٢]، فإِنما هو وقيذ فلا تأكله". ولم نعلم أحدًا من العلماء فصل بين حكم وحكَم من هذه الآية، فقال: إِن الوقيذ معتبر حالةَ الصيد، والنطيح ليس معتبرًا، فيكون القول بحل المتنازع فيه خرقًا للإِجماع، لا قائل به، وهو محظور عند كثير من العلماء.

(الثاني): أن تلك الآية: ﴿فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ﴾ ليست على عمومها بالإِجماع، بل مخصوصة بما صدن من الحيوان المأكول، وخرج من عموم لفظها الحيوان غير المأكول بالاتفاق والعموم المحفوظ مقدّم على غير المحفوظ.

(المسلك [٣] الآخر): أن هذا الصيد، والحالة هذه، في حكم الميتة سواء؛ لأنه قد احتقن فيه الدماء وما يتبعها من الرطوبات، فلا تحل قياسًا على الميتة.

[المسلك [٤] الآخر): أن آية التحريم - أعني قوله: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾ إِلى آخرها - محكمة لم يدخلها نسخ ولا تخصيص، وكذا ينبغي أن تكون آية التحليل محكمة، أعني قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ﴾ الآية. فينبغي أن لا يكون بينهما تعارض أصلا، وتكون السنة جاءت لبيان ذلك، وشاهد ذلك قصة السهم، فإِنه ذكر حكم ما دخل في هذه الآية، وهو ما إِذا خزقه المعراض فيكون حلالًا، لأنه من الطيبات، وما دخل في حكم تلك الآية، آية التحريم، وهو ما إِذا أصابه بعرض فلا يؤكل؛ لأنه وقيذ، فيكون أحد أفراد آية التحريم، وهكذا يجب أن يكون حكم هذا،


[١]- في خ: "الحديث".
[٢]- في ز: "بعرض".
[٣]-[٤]- في خ: "الحديث".