للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله: ﴿والمحصنات من المؤمنات﴾ أي: وأحل لكم نكاح الحرائر العفائف من النساء المؤمنات، وذكر هذا توطئة لما بعده، وهو قوله تعالى: ﴿والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم﴾ فقيل: أراد بالمحصنات: الحرائر دون الإِماء. حكاه ابن جرير عن مجاهد (١٦٣)، وإِنما قال مجاهد: المحصنات: الحرائر، فيحتمل [١] أن يكون أراد ما حكاه عنه [٢]، ويحتمل أن يكون أراد بالحرة: العفيفة، كما قاله مجاهد في الرواية الأخرى عنه (١٦٤)، وهو قول الجمهور هاهنا وهو الأشبه، لئلا يجتمع فيها أن تكون ذمية، وهي مع ذلك غير عفيفة، فيفسد حالها بالكلية، ويتحصل زوجها على ما قيل في المثل: "حشفًا وسوء كيلة". والظاهر من الآية؛ أن المراد بالمحصنات: العفيفات عن الزنا، كما قال تعالى في الآية الأخرى: ﴿محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان﴾.

ثم اختلف المفسرون والعلماء في قوله تعالى: ﴿والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم﴾ هل يعم كل [٣] كتابية عفيفة، سواء كانت حرة أو أمة؟ حكاه ابن جرير عن طائفة من السلف ممن فسر المحصنة بالعفيفة، وقيل: المراد بأهل الكتاب هاهنا: الإِسرائيليات، وهو مذهب الشافعي، وقيل: المراد بذلك: الذميات دون الحربيات، لقوله: ﴿قاتلوا الذين لا يؤمنون باللَّه ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم اللَّه ورسوله ولا


= فى الزهد، باب: ما جاء فى صحبة المؤمن، الحديث (٢٣٩٥)، والدارمي (٢٠٦٣)، وأحمد (٣/ ٣٨)، وأبو يعلى (١٣١٥) من طريق حيوة بن شريح أخبرنا سالم بن غيلان أن الوليد بن قيس التجيبى أخبره، أنه سمع أبا سعيد الخدرى أو عن أبى الهيثم، عن أبى سعيد الخدرى، أنه سمع رسول اللَّه يقول: "لا تصاحب إلَّا مؤمنًا ولا يأكل طعامك إلَّا تقى"، وفى بعض الروايات: "لا تصحب". ورواه ابن حبان (٤/ ٣١٢) (٥٥٤)، (٢/ ٣٢٠) (٥٦٠)، والحاكم (٤/ ١٢٨)، والبغوى فى شرح السنة (٣٤٨٤) من طرق عن حيوة بن شريح عن سالم بن غيلان أن الوليد بن قيس حدثه عن أبى سعيد عن النبى … فذكره، ولم يذكر الشك فى إسناده، قال الترمذى: هذا حديث حسن إنما نعرفه من هذا الرجه. وصحح إسناده الحاكم، ووافقه الذهبى. وحسن إسناده العلامة الشيخ ناصر الدين الألبانى فى "المشكاة" (٣/ ١٣٩٧).
(١٦٣) - تفسير ابن جرير الطبرى (٩/ ٥٨١ - ٥٨٢)، والرواية عن مجاهد عنده رقم (١١٢٥٦، ١١٢٥٧). وهذه الرواية عن مجاهد ذكرها السيوطى فى "الدر المنثور" (٢/ ٤٦٢) وزاد نسبتها إلى عبد ابن حميد.
(١٦٤) - أخرج ذلك عنه ابن جرير الطبرى فى تفسيره (٩/ ٥٨٥) (١١٢٦٨، ١١٢٦٩).