للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أبو كريب، حدثنا عبد الحميد الحماني، عن النضر، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كان رسول الله يحرس، فكان [أبو طالب يرسل إليه] [١] كل يوم رجالًا [٢] من بني هاشم يحرسونه، حتى نزلت عليه هذه الآية: ﴿يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ قال: فأراد عمه أن يرسل معه من يحرسه فقال: "إن الله قد عصمني من الجن والإنس". رواه [٣] الطبراني عن يعقوب بن غيلان العماني، عن أبي كريب به.

وهذا أيضًا حديث [٤] غريب، والصحيح: أن هذه الآية مدنية بل هي من أواخر ما نزل بها، والله أعلم.

ومن عصمة الله لرسوله حفظه له من أهل مكة وصناديدها، وحسادها ومعانديها ومترفيها، مع شدة العداوة والبغضة، ونصب المحاربة له ليلاً ونهارًا - بما يخلقه الله من الأسباب العظيمة، بقدرته وحكمته العظيمة، فصانه في ابتداء الرسالة بعمه أبي طالب، إذ كان رئيسًا مطاعًا كبيرًا في قريش، وخلق الله في قلبه محبة طبيعية لرسول الله لا شرعية، ولو كان أسلم لاجترأ عليه كفارها وكبارها، ولكن لما كان بينه وبينهم قدر مشترك في الكفر هابوه واحترموه، فلما مات عمه [٥] أبو طالب نال منه المشركون أذى يسيرًا، ثم قيض الله له الأنصار، فبايعوه على الإِسلام، وعلى أن يتحول [٦] إلى دارهم: وهي المدينة، فلما صار إليها حَمَوْه من الأحمر والأسود، فكلما هم أحد من المشركين وأهل الكتاب بسوء كاده اللَّه ورد كيده عليه، كما كاده اليهود بالسحر فحماه الله منهم، وأنزل عليه سورتي المعوذتين داء لذلك الداء، ولما سمه [٧] اليهود في [٨] ذراع تلك الشاة بخيبر أعلمه الله به وحماه منه، ولهذا أشباه كثيرة جدًّا يطول ذكرها، فمن ذلك ما ذكره المفسرون عند هذه الآية الكريمة.

قال [٩] أبو جعفر بن جرير (٥٨٥): حدثنا الحارث، حدثنا عبد العزيز، حدثنا أبو معشر، عن محمد بن كعب القرظي وغيره، قالوا [١٠]: كان رسول الله إذا نزل


(٥٨٥) - رواه في تفسيره (١٠/ ٤٧٠) (١٢٢٧٨)، وفي إسناده أبو معشر نجيح بن عبد الرحمن، وهو ضعيف، وقد تقدمت القصة من حديث جابر، تقدم تخريجه رقم (٢٦١) وانظر التالي.