للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحاذى الأصابع، ووضع يده اليمنى على اليسرى فوق صدره، وغض بصره وطأطأ رأسه خشوعًا، ثم أرسل عينيه بالبكاء، فما زالت دموعه تسيل على خديه، وتقطر من أطراف لحيته، حتى ابتلت الأرض حيال وجهه من خشوعه، فلما رأى ذلك دعا الله فقال: ﴿اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ﴾ فأنزل الله عليهم سفرة حمراء بين غمامتين؛ غمامة فوقها وغمامة تحتها، وهم ينظرون إليها في الهواء منقضة من فلك السماء تهوي إليهم، وعيسى يبكي خوفًا للشروط التي اتخذها الله عليهم فيها: أنه يعذب من يكفر بها منهم بعد نزولها عذابًا لم يعذبه أحدًا من العالمين، وهو يدعو الله في [١] مكانه ويقول: اللهم اجعلها رحمة، إلهي لا تجعلها عذابًا، إلهي كم من عجيبة سألتك فأعطيتني، إلهي اجعلنا لك شكّارين، اللهم [٢] إني [٣] أعوذ بك أن تكون أنزلتها غضبًا وجزاءً، إلهي اجعلها سلامة وعافية، ولا تجعلها فتنة ومثلة.

فما زال يدعو حتى استقرت السفرة بين يدي عيسى والحواريين، وأصحابه حوله يجدون رائحة طيبة، لم يجدوا فيما مضى رائحة مثلها قط، وخر عيسى والحواريون لله سجدًا؛ شكرًا [له لما] [٤] رزقهم من حيث لم يحتسبوا، وأراهم فيه آية عظيمة ذات عجب وعبرة، وأقبلت اليهود ينظرون فرأوا أمرًا عجيبًا أورثهم كمدًا وغمًّا، ثم انصرفوا بغيظ شديد، وأقبل عيسى والحواريون وأصحابه حتى جلسوا حول السفرة، فإذا عليها منديل مغطى، فقال [٥] عيسى: من أجرأنا على كشف المنديل عن هذه السفرة، وأوثقنا بنفسه، وأحسننا بلاء عند ربه - فليكشف عن هذه الآية، حتى نراها ونحمد ربنا، ونذكر باسمه ونأكل من رزقه الذي رزقنا. فقال الحواريون: يا روح الله وكلمته أنت أولانا بذلك وأحقنا بالكشف عنها. فقام عيسى واستأنف وضوءًا جديدًا، ثم دخل مصلاه فصلى كذلك ركعات، ثم بكى بكاء [٦] طويلًا، ودعا الله أن يأذن له فى الكشف عنها، ويجعل له ولقومه فيها بركة ورزقًا، ثم انصرف فجلس إلى السفرة، وتناول المنديل وقال: بسم الله خير الرازقين، وكشف عن السفرة فإذا هو عليها بسمكة [٧] ضخمة مشوية ليس عليها بواسير، وليس في جوفها شوك، يسيل السمن منها سيلًا، قد نضد حولها بقول من كل صنف غير الكراث، وعند رأسها خل، وعند ذنبها ملح، وحول البقول خمسة أرغفة، على واحد منها زيتون، وعلى الآخر


… ... … ... … ... … ... … ... … .