للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح: ﴿وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (١١٧) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ فيقال: إن هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم".

ورواه البخاري (٨٥١) عند هذه الآية: عن [أبي] [١] الوليد عن شعبة - وعن محمد بن كثير، عن سفيان الثوري كلاهما، عن المغيرة بن النعمان به.

وقوله: ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ هذا الكلام يتضمن رد المشيئة إلى الله ﷿، فإنه الفعال لما يشاء الذي لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، ويتضمن [٢] التبري من النصارى الذين كذبوا على الله وعلى رسوله، وجعلوا لله ندًّا وصاحبة وولدًا، تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا، وهذه الآية لها شأن عظيم، ونبأ عجيب، وقد ورد في الحديث أن النبي قام بها ليلة حتى الصباح يرددها.

قال الإِمام أحمد (٨٥٢): حدثنا محمد بن فضيل، حدثني فُلَيْت العامري، عن جسرة العامرية، عن أبي ذر ، قال: صلى النبي [ذات ليلة] [٣]، فقرأ بآية حتى أصبح، يركع بها ويسجد بها: ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ فلما أصبح قلت: يا رسول الله، ما زلت تقرأ هذه الآية حتى أصبحت تركع بها وتسجد بها؟ قال: "إني سألت ربي ﷿ الشفاعة


(٨٥١) - البخاري في صحيحه برقم (٤٦٢٥).
(٨٥٢) - رواه أحمد فى مسنده (٥/ ١٤٩) ومن طريقه الخطيب فى الموضح (١/ ٤٥٤، ٤٥٥)، ورواه النسائى فى "المجتبى" كتاب الافتتاح، باب: ترديد الآية (٢/ ١٧٧) وفى الكبرى كتاب التفسير، باب: قوله تعالى: ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ﴾ حديث (١١١٦١) وهو فى تفسير النسائى رقم (١٨١)، وأحمد فى المسند أيضًا (٥/ ١٥٦، ١٧٠، ١٧٧)، وابن ماجه فى "سننه" كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء فى القراءة فى صلاة الليل حديث (١٣٥٠)، والبزار كما فى كشف الأستار (١/ ٣٥٠، ٣٥١) (٧٣٠)، والطحاوى فى شرح معانى الآثار (١/ ٣٤٧)، والحاكم (١/ ٢٤١) وصححه ووافقه الذهبى، والبيهقى فى سننه (٣/ ١٤)، والبغوى فى "شرح السنة" (٩١٥)، والخطيب فى "موضح الأوهام" (١/ ٤٥٦)، والمزى فى "تهذيب الكمال" (٢٣/ ٥٤٨) فى ترجمة قدامة بن عبد الله - من طرق عن قدامة بن عبد الله عن جسرة عن أبى ذر به. وفى إسناده قدامة بن عبد الله ذكره ابن حبان فى الثقات (٤/ ١٢١) وقال الحافظ فى "التقريب": مقبول وجسرة أيضًا قال عنها ابن حجر فى "التقريب": "مقبولة … ويقال إن لها إدراكًا" وباقى رجال الإسناد ثقات.