يقول الله تعالى مادحًا نفسه الكريمة، وحامدًا لها على خلقه السموات والأرض قرارًا لعباده، وجعل الظلمات والنور منفعة لعباده في ليلهم ونهارهم، فجمع لفظ الظلمات ووحد لفظ النور؛ لكونه أشرف، [كقوله][١]: ﴿عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ﴾ [٢]، وكما قال في آخر هذه السورة: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾.
وقوله: ﴿ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ أي: ومع هذا كله كفر به بعض عباده، وجعلوا معه [٣] شريكًا وعدلًا، واتخذوا له صاحبة وولدًا، تعالى الله ﷿ عن ذلك علوًّا كبيرًا.
وقوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ﴾ يعني: أباهم آدم الذي هو أصلهم، ومنه خرجوا فانتشروا في المشارق والمغارب، وقوله: ﴿ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ﴾ قال سعيد بن جبير (٩)، عن ابن عباس: ﴿ثُمَّ قَضَى أَجَلًا﴾ يعني: الموت ﴿وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ﴾ يعني: الآخرة.
وهكذا روي عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن وقتادة والضحاك وزيد بن أسلم وعطية والسدي ومقاتل بن حيان وغيرهم.
(٩) - أثر صحيح، أخرجه ابن جرير (١١/ ١٣٠٥٧)، وابن أبي شيبة - كما في "الدر المنثور" (٣/ ٧) ومن طريقه ابن أبي حاتم في تفسيره (٤/ ٧٠٩٠) من طريق سفيان عن أبي حَصِين عن سعيد به، وأخرجه الحاكم (٢/ ٣١٥) من طريق أبى بكر بن عياش عن أبي حصين به وقال: "حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي وأخرجه ابن جرير (١١/ ١٣٠٦٦)، وابن أبي حاتم (٤/ ٧٠٩١) من طريق على بن أبى طلحة عن ابن عباس به نحوه، وزاد نسبته السيوطى في "الدر المنثور" (٣/ ٧) إلى ابن المنذر والفريابي وأبى الشيخ.