للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقول إبليس لعنه الله: ﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ﴾ من العذر الذي هو أكبر من الذنب، كأنه امتنع من الطاعة؛ لأنه لا يؤمر الفاضل بالسجود للمفضول، يعني لعنه الله: وأنا خير منه فكيف تأمرني بالسجود له؟ ثم بين أنه خير منه بأنه خلق من نار، والنار أشرف مما خلقته منه وهو الطين، فنظر اللعين إلى أصل العنصر، ولم ينظر إلى التشريف العظيم، وهو أن الله تعالى خلق آدم بيده ونفخ فيه من روحه، وقاس قياسًا فاسدًا في مقابلة نص [] [١] قوله تعالى: ﴿فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾، فشذ من بين الملائكة بترك السجود، فلهذا أبلس من الرحمة؛ [أي: آيس من الرحمة] [٢]، فأخطأ قبحه الله في قياسه ودعواه أن النار أشرف من الطين أيضًا، فإن الطين من شأنه الرزانة والحلم والأناة والتثبت، والطين محل النبات والنمو والزيادة والإصلاح، والنار من شأنها الإحراق والطيش والسرعة؛ ولهذا خان إبليس عنصرُه، ونفع آدمَ عنصرُه بالرجوع [٣] والإنابة والاستكانة والانقياد والاستسلام لأمر الله، والاعتراف وطلب التوبة والمغفرة.

وفي صحيح مسلم عن عائشة قالت: قال رسول الله : "خلقت الملائكة من نور، وخلق إبليس من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم". هكذا [٤] رواه مسلم (١٣).

وقال ابن مردويه (١٤): حدثنا عبد الله بن جعفر، حدثنا إسماعيل بن [٥] عبد الله بن مسعود، حدثنا نعيم بن حماد، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: قال رسول الله : "خلق الله الملائكة من نور العرش، وخلق الجان من نار، وخلق آدم مما وصف لكم". قلت لنعيم بن حماد: أين سمعت هذا من عبد الرزاق؟ قال: باليمن. وفي بعض ألفاظ هذا الحديث في غير الصحيح: "وخلقت الحور العين من


(١٣) - صحيح مسلم، كتاب: الزهد والرقائق، باب: في أحاديث متفرقة (٦٠) (٢٩٩٦) ثنا محمد بن رافع وعبد بن حميد (قال عبد: أخبرنا وقال ابن رافع: حدثنا) عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة به، وانظر ما بعده.
(١٤) - صحيح وعزاه لابن مردويه السيوطي في "الدر المنثور" (٦/ ١٩٣) - وهو عند عبد الرزاق في "المصنف" (١١/ ٤٢٥/ ٢٠٩٠٤) ومن طريقه أيضًا أحمد في "المسند" (٦/ ١٥٣، ١٦٨) وعبد ابن حميد فى "المنتخب" (١٤٧٩) - ومن طريق عبد بن حميد مسلم كما في السابق، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (٢/ ٦١٨ - مخطوط) - وأبو الشيخ في "العظمة" (٢/ ٧٢٥، ٧٢٦) وابن منده في "الرد على الجهمية" (ص ٩١، ٩٢) وابن حبان في صحيحه (١٤/ ٦١٥٥) والبيهقي في "الكبرى" (٩/ ٣) وفي "الأسماء والصفات" (٢/ ٨١٨) وفي "الشعب" (١/ ١٤٣) وأخرجه أبو الشيخ أيضًا (٢/ ٧٢٥، ٧٢٧) من طريقين آخرين عن معمر، به.