إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾. ومن قدره بالفعل [أمرًا أو خبرًا نحو: ابدأ باسم الله، أو ابتدأت باسم الله][١]، فلقوله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ وكلاهما صحيح؛ فإن الفعل لا بد له من مصدر، فلك أن تقدر الفعل ومصدره، وذلك بحسب الفعل الذي سميت قبله، إن كان قيامًا أو قعودًا، أو أكلًا أو شربًا، أو قراءة أو وضوءًا أو صلاة، فالمشروع ذكر اسم [٢] الله في الشروع في ذلك كله تبركًا وتيمُّنًا واستعانة على الإتمام والتقبل، والله أعلم.
ولهذا روى ابن جرير، وابن أبي حاتم، من حديث بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: إن أول ما نزل به جبريل على محمد ﷺ، قال: يا محمد؛ قل: أستعيذ بالله [٣] السميع [٤] العليم من الشيطان الرجيم. ثم قال: قل: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾. قال: قال له جبريل: قل [٥] باسم الله يا محمد. يقول: اقرأ بذكر الله ربك، وقم واقعد بذكر الله تعالى. لفظ ابن جرير (٩٩).
وأمّا مسألة الاسم هل هو المسمى أو غيره ففيها للناس ثلاثة أقوال: [أحدها: أنّ الاسم هو المسمى، وهو قول أبي عبيدة وسيبويه، واختاره الباقلاني وابن فورك، وقال الرازي -وهو محمد بن عمر المعروف بابن خطيب الري- في مقدّمات تفسيره: قالت الحشوية والكرامية والأشعرية: الاسم نفس المسمى وغير نفس التسمية. وقالت المعتزلة: الاسم غير المسمى وغير التسمية. والمختار عندنا أنّ الاسم غير المسمى وغير التسمية، ثم نقول: إن كان المراد بالاسم هذا اللفظ الذي هو أصوات متقطعة وحروف مؤلفة، فالعلم الضروري حاصل أنه غير المسمى، وإن كان المراد بالاسم ذات المسمى، فهذا يكون من باب إيضاح الواضحات وهو عبث، فثبت أنّ الخوض في هذا البحث على جميع التقديرات يجري مجرى العبث.
ثم شرع يستدل على مغايرة الاسم للمسمى بأنه قد يكون الاسم موجودًا والمسمى مفقودًا، كلفظة المعدوم، وبأنه قد يكون للشيء أسماء متعدّدة كالمترادفة، وقد يكون الاسم واحدًا والمسميات متعدّدة، كالمشترك، وذلك دال على تغاير الاسم والمسمى، وأيضًا فالاسم لفظ وهو عرض، والمسمى قد يكون ذاتًا ممكنة أو واجبة بذاتها، وأيضًا فلفظ النار والثلج لو كان هو المسمى لوَجد اللافظ بذلك حرَّ النار أو بردَ الثلج ونحو ذلك، ولا يقوله عاقل، وأيضًا فقد قال الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾. وقال النبي ﷺ: "إن لله تسعة وتسعين
(٩٩) - في سنده ضعف وانقطاع، والحديث في تفسير ابن جرير ١٣٩ - (١/ ١١٧)، وابن أبي حاتم ٦ - (١/ ١٣) وبشر بن عمارة تقدمت ترجمته برقم (٥٩).