ما ذكروه، وعلى هذا فيكون تقدير [١] اسم الله الذي لم يسم به [٢] أحد غيره، ووصفه أولًا بالرحمن الذي منع من التسمية به لغيره، كما قال تعالى: ﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَو ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾. وإنما تجمهر مسيلمة اليمامة في التسمي به، ولم يتابعه على ذلك إلا من كان معه في الضلالة [٣].
وأما الرحيم فإنه [تعالى وصف][٤] به غيره، حيث قال: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾. كما وصف غيره بغير ذلك من أسمائه [كما قال تعالى][٥]: ﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾. والحاصل أن من أسمائه تعالى ما يسمى به غيرُه، ومنها ما لا يسمى به غيره، كاسم [٦] الله والرحمن والخالق والرزاق ونحو ذلك، فلهذا بدأ باسم الله ووصفه بالرحمن؛ لأنه أخص وأعرف من الرحيم؛ لأن التسمية أولًا إنما تكون بأشرف [٧] الأسماء فلهذا ابتدأ بالأخص فالأخص.
فإن قيل: فإذا كان الرحمن أشد مبالغة فهلا اكتفي به عن الرحيم؟. فقد روي عن عطاء الخراساني ما معناه، أنه لما تسمى غيره تعالى بالرحمن، جيء بلفظ الرحيم ليقطع التوهم بذلك، فإنه لا يوصف بالرحمن الرحيم إلا الله تعالى، كذا رواه ابن جرير عن عطاء، ووجَّهَه بذلك والله أعلم.
وقد زعم بعضهم أن العرب لا تعرف الرحمن، حتى رد الله عليهم ذلك بقوله: ﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَو ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ ولهذا قال كفار قريش يوم الحديبية، لما قال رسول الله ﷺ لعلى:"اكتب "بسم المه الرحمن الرحيم" فقالوا: لا نعرف الرحمن ولا الرحيم. رواه البخاري (١١١).
وفي بعض الروايات؛ لا نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة. وقال تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا﴾. والظاهر أن إنكارهم هذا إنما هو جحود وعناد وتعنّت في كفرهم؛ فإنه [٨] قد [٩] وجد في [أشعارهم في][١٠] الجاهلية تسمية الله تعالى بالرحمن.
(١١١) - رواه البخاري في كتاب الشروط، باب: الشروط في الجهاد … برقم (٢٧٣١، ٢٧٣٢).