للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لخلقه باحتمال من ظلمهم واعتدى عليهم، لا بالإِعراض عمن جهل الحق الواجب من حق الله، ولا بالصفح عمن كفر بالله وجهل وحدانيته، وهو للمسلمين حرب.

وقال سعيد بن أبي عروبة، عن قَتَادة في قوله: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ قال: هذه أخلاق أمر الله بها نبيه، ، ودله عليها وقد أخذ بعض الحكماء هذا المعنى فسبكه في بيتين فيهما [١] جناس فقال:

خُذِ العفوَ وَأْمُرْ بعُرْفٍ [٢] كما … أُمِرْتَ وَأَعْرِض عن الجاهلينْ

وَلِنْ في الكلام لكل الأنام … فمستحسنٌ مِن ذَوِي الجاه لين

وقال بعض العلماء: الناس رجلان: فرجل محسن، فخذ ما عفا لك من إحسانه، ولا تكلفه فوق طاقته، ولا ما يحرجه. وإما مسيء، فمره بالمعروف، فإن تمادى على ضلاله واستعصى عليك واستمر في جهله فأعرض عنه؛ فلعل ذلك أن يرد كيده، كما قال تعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ (٩٦) وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (٩٧) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ﴾، [وقال تعالى: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ] [٣] * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ أي هذه الوصية. ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾، [وقال في هذه السورة الكريمة أيضًا: ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾] [٤] فهذه الآيات الثلاث في الأعراف، والمؤمنون، وحم السجدة، لا رابع لهن، فإنه تعالى يرشد فيهن إلى معاملة المعاصي من الإنس [٥] بالمعروف فالتي [٦] هي أحسن، فإن ذلك يكفه عما هو فيه من التمرد بإذنه تعالى، [ولهذَا قال: ﴿فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾، ثم يرشد تعالى إلى الاستعاذة به] [٧] من شيطان الجان، فإنه لا [يكفه عنك] [٨] الإحسان، وإنَّما يريد هلاكك ودمارك بالكلية، فإنه عدو مبين لك ولأبيك من قبلك.

قال ابن جرير في تفسير قوله: ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ﴾ وإما يغضبنك من الشيطان غضب، يصدك عن الإِعراض عن الجاهلين [٩]، ويحملك على مجازاتهم ﴿فَاسْتَعِذْ


[١]- في ز: "فيها".
[٢]- فى ز: "بالعرف".
[٣]- ما بين المعكوفتين سقط من: خ.
[٤]- ما بين المعكوفتين سقط من: خ، ز.
[٥]- فى ز: "الأمر".
[٦]- فى ز: "والتي".
[٧]- ما بين المعكوفتين سقط من: خ، ز.
[٨]- في ز: "يكفيه منك".
[٩]- فى خ، ز: "الجاهل" والمثبت من تفسير ابن جرير.