للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والثَّاني تبرؤ من الحول والقوّة والتفويض إلى الله ﷿، وهذا المعنى في غير آية من القرآن، كما قال تعالى: ﴿فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [١]﴾. ﴿قُلْ: هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيهِ تَوَكَّلْنَا﴾. ﴿رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إلا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا﴾. وكذلك هذه الآية الكريمة:.

وتحوّل الكلام من الغيبة إلى المواجهة بكاف الخطاب، وهو مناسبه؛ لأنَّه لما أثنى على الله تعالى فكأنه اقترب وحضر بين يدي الله تعالى، فلهذا قال: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾. وفي هذا دليل على أن أوّل السورة خبر من الله تعالى بالثناء على نفسه الكريمة بجميل صفاته الحسنى، وإرشاد لعباده بأن [٢] يثنوا عليه بذلك؛ ولهذا لا تصح صلاة من لم يقل ذلك وهو قادر عليه. كما جاء في الصحيحين (١٤٢)، عن عبادة بن الصَّامت أن رسول الله قال: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة [٣] الكتاب".

وفي صحيح مسلم (١٤٣)، من حديث العلاء بن عبد الرحمن [مولى الحُرَقة] [٤]، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن رسول الله : "يقول الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فنصفها لي، ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل، إذا قال العبد: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ﴾ قال الله [٥]: حمدني عبدي. وإذا قال: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ قال الله [٦]: أثنى عليَّ عبدي. فإذا قال: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ قال الله: مجدني عبدي. فإذا [٧] قال: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل. فإذا قال: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ *صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيهِمْ غَيرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾ قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل".

وقال الضَّحَّاك عن ابن عباس : ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ يعني إياك نوحد ونخاف ونرجو يا ربنا لا غيرك ﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [على طاعتك وعلى أمورنا كلها.

وقال قتادة (﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾] [٨] يأمركم أن تخلصوا له العبادة، وأن تستعينوه على


(١٤٢) - رواه البُخاريّ في بابه الأذان، باب (٩٥) برقم (٧٥٦)، ومسلم في الصَّلاة برقم (٣٩٤)، والحديث رواه أبو داود في الصَّلاة، باب: من ترك القراءة في صلاته برقم (٨٢٢)، والترمذي في الصَّلاة، باب: ما جاء في أنَّه لا صلاة إلَّا بفاتحة الكتاب برقم (٢٤٧). وفي باب: ما جاء في القراءة خلف الإمام برقم (٣١١). والنَّسائيُّ في الافتتاح برقم (٩١٠، ٩١١).
(١٤٣) - رواه مسلم في الصَّلاة برقم ٢٨ - (٣٩٥).