للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مقصوده تحصيل مقصوده، وإما للتشريف بتكاليف الله تعالى.

وهذا أيضًا عندهم ضعيف، بل العالي أن يعبد الله لذاته المقدسة الموصوفة بالكمال قالوا: ولهذا يقول المصلي: أصلي لله. ولو كان لتحصيل الثواب ودرء العقاب لبطلت الصَّلاة.

وقد ردّ ذلك عليهم آخرون وقالوا: كون العبادة لله ﷿ لا ينافي أن يطب معها ثوابًا ولا أن يدفع عذابًا، كما قال ذلك الأعرابي: أما إنِّي لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ، إنما أسأل الله الجنَّة وأعوذ به من النَّار. فقال النَّبيُّ : "حولها ندندن" (١٤٤).

﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦)

قراءة الجمهور بالصاد وقرئ السراط، وقرئ بالزَّاي، قال الفراء: وهي لغة بني عذرة وبني كلب] [١]. لا تقدَّم الثّناء على المسئول ناسب أن يعقب بالسؤال كما قال: "فنصفها إلى ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأَل". وهذا أكمل أحوال السائل، أن يمدح مسئوله، ثم يسأله حاجته [وحاجة إخوانه المؤمنين بقوله: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾] [٢] لأنَّه أنجح للحاجة وأنجع للإجابة، ولهذا أرشد الله تعالى إليه لأنَّه الأكمل.

وقد يكون السؤال بالإخبار عن حال السائل واحتياجه، كما قال موسى : ﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيرٍ فَقِيرٌ﴾ وقد يتقدّمه مع ذلك وصف المسئول كقول ذي النون: ﴿لَا إِلَهَ إلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾. وقد يكون بمجرّد الثّناء على المسئول، يقول الشَّاعر:


(١٤٤) - صحيح، رواه أحمد في المسند ١٥٩٤٣ - (٣/ ٤٧٤)، وأبو داود في الصَّلاة، باب: في تخفيف الصَّلاة برقم (٧٩٢)، كلاهما من حديث سليمان بن مهران الأعمش، عن أبي صالح، عن بعض أصحاب النَّبيِّ .
ورواه ابن ماجة في الصَّلاة، باب: في التشهد، والصلاة على النَّبيِّ، (٩١٠) وفي الدعاء، باب: الجوامع من الدعاء (٣٨٤٧) وابن حبان في صحيحه برقم (٥١٤ موارد) من طريق الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، . وقال البوصيري في زوائده: إسناده صحيح ورجاله ثقات. وصححه الألباني في صحيح أبي داود حديث ٧١٠. وصحيح ابن ماجة حديث ٧٤٢.
وقوله: "حولها ندندن" وروي: "عنهما ندندن" الدَّنْدَنة: أن يتكلم الرجل بالكلام تُسمَع نغمته ولا يُفْهَم، وهو أرفع من الهينمة قليلًا. والضمير في حولهما للجنة والنار: أي حولهما ندندن وفي طلبهما، ومنه دندن الرجل إذا اختلف في مكان واحدٍ مجيئًا وذَهابًا. وأمَّا عنهما ندندن فمعناه أن دندنتنا صادرة عنهما وكائنة بسببهما. نهاية [٢/ ١٣٧].