ﷺ ومنهاج الخلفاء الأربعة وكل عبد صالح، وكل ذلك من الصراط المستقيم.
(فإن قيل): فكيف يسأل المؤمن الهداية في كل وقت من صلاة وغيرها وهو متصف بذلك؟ فهل [١] هذا من باب تحصيل الحاصل أم لا؟
فالجواب أن لا، ولولا احتياجه ليلًا ونهارًا إلى سؤال الهداية لما أرشده الله تعالى إلى ذلك، فإن العبد مفتقر في كل ساعة وحالة إلى الله تعالى، في تثبيته على الهداية ورسوخه فيها، وتبصره وازدياده منها، واستمراره عليها، فإن العبد لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا إلا ما شاء الله، فأرشده تعالى إلى أن يسأله في كل وقت أن يمده بالمعونة والثبات والتوفيق، فالسعيد من وفقه الله تعالى لسؤاله، فإنه تعالى قد تكفل بإجابة الداعي إذا دعاه، ولا سيما المضطر المحتاج المفتقر إليه آناء الليل وأطراف النهار.
وقد قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ﴾. الآية. فقد أمر الذين آمنوا بالإيمان، وليس [ذلك من باب][٢] تحصيل الحاصل؛ لأن المراد الثبات والاستمرار والمداومة على الأعمال المعينة على ذلك، والله أعلم.
[وقال تعالى، آمرًا لعباده المؤمنين أن يقولوا: ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ وقد كان الصدّيق ﵁ يقرأ بهذه الآية في الركعة الثالثة من صلاة المغرب بعد الفاتحة سرًّا، فمعنى قوله تعالى: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ استمرّ بنا عليه ولا تعدل بنا إلى غيره][٣](١٥٩).
قد تقدّم الحديث فيما إذا قال العبد: اهدنا الصراط المستقيم إلى آخرها أن الله يقول: "هذا لعبدي ولعبدي ما سأل". وقوله تعالى: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ مفسر للصراط المستقيم، وهو بدل منه عند النحاة، ويجوز أن يكون عطف بيان، والله أعلم.
والذين [أنعم اللَّه][٤] عليهم هم المذكورون في سورة النساء حيث قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ
(١٥٩) - مالك في الموطأ، وعبد الرزاق (٢/ ٢٦٩٨)، وابن المنذر في الأوسط (٣/ ١١٢).