للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أي: كأنك جمل من جمال بني أقيش، فحذت الموصوف واكتفى بالصفة، وهكذا غير المغضوب عليهم [أي: غير صراط المغضوب عليهم] [١] اكتفي بالمضاف إليه عن ذكر المضاف، وقد دل عليه سياق الكلام وهو قوله تعالى: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيهِمْ﴾ ثم قال تعالى: ﴿غَيرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيهِمْ﴾. ومنهم من زعم أن "لا". في قوله تعالى: ﴿وَلَا الضَّالِّين﴾ زائدة، وأنَّ تقدير الكلام: عنده غير المغضوب عليهم والضالين، واستشهد ببيت العجاج:

في بئر لا حور [٢] سعى [٣] وما شعر (١٦٣)

أي في بئر حور [٤]، والصحيح ما قدمناه؛ ولهذا روى أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب فضائل القرآن (١٦٤) عن [أبي معاوية] [٥]، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عمر بن الخطاب أنه كان يقرأ ﴿غَيرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾ [وهذا إسناد صحيح، وكذلك حكي عن أبيّ بن كعب أنه قرأ كذلك [٦]، وهو محمول على أنه صدر منهما [٧] على وجه التفسير.

فيدل على ما قلناه من أنه إنما جيء- "بلا [٨]- لتأكيد النفي [لئلا يتوهم أنه معطوف على الذين أنعمت عليهم] [٩]، وللفرق بين الطريقتين لتجتنب كل واحد [١٠] منهما، فإن طريقة أهل الإيمان مشتملة على العلم بالحق والعمل به، واليهود فقدوا العمل، والنصارى فقدوا العلم؛ ولهذا كان الغضب لليهود، والضلال للنصارى، لأن من علم وترك استحق الغضب بخلاف من لم يعلم. والنصارى لما كانوا قاصدين شيئًا لكنهم لا يهتدون إلى طريقه [١١]؛ لأنهم لم يأتوا الأمر من بابه، وهو اتباع الرسول الحق- ضلوا، وكل من اليهود والنصارى ضال مغضوب عليه، لكن أخص أوصاف اليهود الغضب، [كما قال تعالى عنهم: ﴿مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيهِ﴾] [١٢]، وأخص أوصاف النصارى الضلال [كما قال تعالى عنهم: ﴿قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ﴾] [١٣]. وبهذا جاءت الأحاديث والآثار.


(١٦٣) - البيت في تفسير ابن جرير (١/ ١٩٠).
(١٦٤) - فصائل القرآن (ص ٢٨٩ - ٢٩٠)، وسعيد بن منصور (١٧٧)، وابن أبي داود (٥١).