يخبر تعالى رسوله، صلوات الله وسلامه عليه، أن في أحياء العرب ممن حول المدينة منافقين، وفي أهل المدينة أيضًا منافقون ﴿مردوا على النفاق﴾ أي: مرنوا واستمروا عليه، ومنه يقال: شيطان مريد ومارد، ويقال: تمرد فلان على الله، أي: عتا وتجبر.
وقوله: ﴿لا تعلمهم نحن نعلمهم﴾ لا ينافي قوله تعالى: ﴿ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول﴾ الآية؛ لأن هذا من باب التوسم فيهم بصفات يعرفون بها، لا أنه يعرف جميع من عنده من أهل النفاق والريب على التعيين، وقد كان يعلم أن في بعض من يخالطه من أهل المدينة نفاقًا، وإن كان يراه صباحًا ومساء، وشاهد هذا بالصحة ما رواه الإِمام أحمد في مسنده حيث قال:
حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن النعمان بن سالم، عن رجل، عن جبير بن مطعم ﵁؛ قال: قلت: يا رسول الله، إنهم يزعمون أنه ليس لنا أجر بمكة. فقال:"لتأتينكم أجوركم ولو كنتم في جحر ثعلب". وأصغى إليَّ رسول الله، ﷺ، برأسه فقال:"إن في أصحابي منافقين"(٢١٧).
ومعناه: أنه قد يبوح [٢] بعض المنافقين والمرجفين من الكلام بما [٣] لا صحة له، ومن مثلهم صدر هذا الكلام الذي سمعه جبير بن مطعم، وتقدم في تفسير قوله: ﴿وهموا بما لم ينالوا﴾ أنه، ﷺ، أعلم حذيفة بأعيان أربعة عشر أبي خمسة عشر منافقًا، وهذا تخصيص لا يقتضي أنه أطلع على أسمائهم وأعيانهم كلهم، والله أعلم.
وروى الحافظ ابن عساكر في ترجمة أبي عمر البيروتي، من طريق هشام بن عمار، حدثنا صدقة بن خالد، حدثنا ابن جابر، حدثني شيخ ببيروت يكنى أبا عمرَ أظنه حدثني عن أبي الدرداء، أن رجلًا يقال له حرملة أتى النبيَّ، ﷺ، فقال: الإِيمان هاهنا وأشار بيده إلى لسانه، والنفاق هاهنا وأشار بيده إلى قلبه، ولم يذكر الله إلا قليلاً.
(٢١٧) - المسند (٤/ ٨٣) رقم (١٦٨١٤). وفي إسناده رجل مجهول.