للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لعنه الله، فسألوه أن يعفيهم من ذلك، فأبى عليهم إلا [١] أن يقرءوا شيئًا منه؛ ليسمعه من لم يسمعه من الناس، فيعرفوا فضل ما هم عليه من الهدى والعلم، فقرءوا عليه من هذا الذي ذكرناه وأشباهه، فلما فرغوا قال لهم الصديق : ويحكم! أين كان يذهب بعولكم؟ والله إن هذا لم يخرج من إلٍّ.

وذكروا أن وفد عمرو بن العاص على مسيلمة، وكان صديقًا له في الجاهلية، وكان عمرو لم يسلم بعد، فقال له مسيلمة: ويحك يا عمرو! وماذا أنزل على صاحبكم - يعني رسول الله في هذه المدة؟ فقال: لقد سمعت أصحابه يقرءون سورة عظيمة قصيرة. فقال: وما هي؟ فقال: ﴿وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾ إلى آخر السورة، ففكر مسيلمة ساعة، ثم قال: وأنا [٢] قد أنزل عَليَّ مثله. فقال: وما هو؟ فقال: ياوبر ياوبر، إنما أنت أذنان وصدر [٣]، وسائرك حَقْرٌ نقر. كيف ترى يا عمرو؟ فقال له عمرو: والله إنك لتعلم أني أعلم أنك لتكذب [٤] (١٨).

فإذا كان هذا من مشرك في حال شركه لم يشتبه عليه [٥] حال محمد، ، وصدقه، وحال مسيلمة لعنه الله وكذبه، فكيف بأولى البصائر والنُّهَى، وأصحاب العقول السليمة المستقيمة والحجا، ولهذا قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ [٦] أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾، وقال في هذه الآية الكريمة: ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ﴾، وكذلك من كذب بالحق الذي جاءت به الرسل، وقامت عليه الحجج، لا أحد أظلم منه كما جاء في الحديث: "أعتى الناس على الله رجل قتل نبيًّا أو قتله نبي" (١٩).

﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا


= السابق، والترمذي، كتاب: الزكاة، باب: ما جاء إذا أديت الزكاة فقد قضيت ما عليك (٦١٩)، والنسائي (٤/ ١٢١)، وأحمد (١٢٤٧٩) (٣/ ١٤٣) من طريق ثابت عن أنس بنحوه.
(١٨) - الأثران أوردهما المصنف في كتاب "البداية والنهاية" (٦/ ٣٥٩).
(١٩) - أخرجه أحمد (١/ ٤٠٧) - ومن طريقه أورده المصنف (البقرة/ آية ٦١)، والبزار في مسنده (٥/ ١٧٢٨) من حديث عبد الله بن مسعود مرفوعًا بلفظ "أشد الناس عذابًا يوم القيامة رجل قتله نبي أو قتل نبيًّا .... " وجوَّد إسناده الألبانى في "الصحيحة" (١/ ٢٨١).