للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين﴾.

وقوله [١]- في هذه الآية إخبارًا عن قول الشركاء فيما راجعوا فيه عابديهم عند ادعائهم عبادتهم ﴿فكفى بالله شهيدًا بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين﴾. أي: ما كنا نشعر بها [٢] ولا نعلم بها، وإنما أنتم [٣] كنتم تعبدوننا من حيث لا ندري بكم، والله شهيد بيننا وبينكم أنا ما دعوناكم إلى عبادتنا، ولا أمرناكم بها، ولا رضينا منكم بذلك.

وفي هذا تبكيت عظيم للمشركين [٤] الذين عبدوا مع الله غيره، ممن لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنهم شيئًا، ولم يأمرهم بذلك ولا رضي به ولا أراده، بل تبرأ منهم في وقت أحوج ما يكونون إليه، وقد تركوا [٥] عبادة الحي القيوم السميع البصير القادر على كل شيء، العليم بكل شيء، وقد أرسل رسله وأنزل كتبه، آمرًا بعبادته وحده لا شريك له، ناهيًا عن عبادة ما سواه، كما قال تعالى: ﴿ولقد بعثنا في كل أمة رسولًا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة﴾، وقال تعالى: ﴿وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون﴾، وقال: ﴿واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون؟﴾.

والمشركون أنواع وأقسام كثيرون قد ذكرهم الله في كتابه، وبين أحوالهم وأقوالهم، ورد عليهم فيما هم فيه [٦] أتم رد.

وقوله تعالى: ﴿هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت﴾ أي: في موقف الحساب يوم القيامة تختبر كل نفس، وتعلم ما أسلفت [٧] من خير وشر؛ كقوله تعالى: ﴿يوم تبلى السرائر﴾، وقال تعالى: ﴿ينبأ الإِنسان يومئذ بما قدم وأخّر﴾، وقال تعالى: ﴿ونخرج له يوم القيامة كتابًا يلقاه مَنشورًا * اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبًا﴾.

وقد قرأ بعضهم: (هنالك تتلوا كل نفس ما أسلفت) وفسرها بعضهم بالقراءة، وفسرها بعضهم بمعنى تتبع ما قدمته [٨] من خير وشر، وفسرها بعضهم بحديث (٣٩):


(٣٩) - أخرجه البخاري، كتاب: الأذان، باب: فضل السجود (٨٠٦)، ومسلم، كتاب: الإيمان، باب: معرفة طريق الرؤية (٢٩٩) (١٨٢)، وأحمد (٢/ ٢٧٥) مطولًا من حديث أبي هريرة ومختصرًا =