للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين﴾. ثم تنازل إلى سورة، فقال في هذه السورة: ﴿أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين﴾. وكذا في سورة البقرة وهي مدنية تحداهم بسورة منه، وأخبر أنهم لا يستطعون ذلك أبدًا، فقال: ﴿فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار﴾. الآية.

هذا وقد كانت الفصاحة من سجاياهم، وأشعارهم ومعلقاتهم إليها المنتهى في هذا الباب، ولكن جاءهم من الله ما لا قبل لأحد به، ولهذا آمن من آمن منهم بما عرف من بلاغة [١] [هذا الكلام وحلاوته، وجزالته وطلاوته، وإفادته وبراعته] [٢]، فكانوا أعلم الناس به، وأفهمهم له، وأتبعهم له، وأشدهم له انقيادًا، كما عرف السحرة لعلمهم بفنون السحر أن هذا الذي فعله موسى لا يصدر إلا عن مؤيد مسدد مرسل من الله، وأن هذا لا يستطاع لبشر إلا بإذن الله.

وكذلك عيسى بعث في زمان علماء الطب ومعالجة المرضى، فكان يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتي بإذن الله، ومثل هذا لا مدخل للعلاج والدواء فيه، فعرف من عرف منهم أنه عبد الله ورسوله؛ ولهذا جاء في الصحيح (٤١) عن رسول الله أنه قال: "ما من نبي من الأنبياء إلا وقد أوتي من الآيات ما آمن على مثله البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيًا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا".

وقوله: ﴿بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله﴾ يقول: بل كذب هؤلاء بالقرآن ولم يفهموه ولا عرفوه ﴿ولما يأتهم تأويله﴾ أي: ولم يحصِّلوا ما فيه من الهدي ودين الحق إلى حين تكذيبهم به جهلًا وسفهًا ﴿كذلك كذب الذين من قبلهم﴾ أي: من الأمم السالفة ﴿فانظر كيف كان عاقبة الظالمين﴾ أي: فانظر كيف أهلكناهم بتكذيبهم رسلنا ظلمًا وعلوًّا وكفرًا وعنادًا وجهلًا، فاحذروا أيها المكذبون أن يصيبكم ما أصابهم.

وقوله: ﴿ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به وربك أعلم بالمفسدين﴾. أي: ومن هؤلاء الله بعثت إليهم يا محمد من يؤمن بهذا القرآن و [٣] يتبعك، وينتفع بما أرسلت


(٤١) - أخرجه البخاري، كتاب: فضائل القرآن، باب: كيف نزل الوحيُ، وأول ما نزل (٤٩٨١)، ومسلم، كتاب: الإيمان، باب: وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد إلى جميع الناس ونسخ الملل بملته (٢٣٩) (١٥٢)، والنسائي في التفسير من الكبري (٦/ ١١١٢٩)، وأحمد (٢/ ٣٤١، ٤٥١) من حديث أبي هريرة.