للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (٥٨) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾، أو قال: ﴿كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ﴾ الآيات] [١]. ولكن استمروا مع موسى طالبين إلى بلاد بيت المقدس، [وهي بلاد الخليل فاستمر موسى بمن معه طالبًا بيت المقدس] [٢]، وكان فيه قوم من العمالقة، [فنكل بنو إسرائيل عن قتالهم] [٣]، فشردهم الله تعالى في التيه أربعين سنة، ومات فيه [٤]، هارون. ثم موسى وخرجوا - بعدهما مع يوشع بن نون، ففتح الله عليهم بيت المقدس، واستقرت أيديهم عليها، إلى أن أخذها منهم بختنصر حينا من الدهر، ثم عادت إليهم، ثم أخذها ملوك اليونان فكانت تحت أحكامهم مدة طويلة، وبعث الله عيسى بن مريم في تلك المدة، فاستعان اليهود - قبحهم الله! على معاداة عيسى بملوك اليونان وكانت تحت أحكامهم، ووشوا عندهم وأوحوا إليهم أن هذا يفسد عليكم الرعايا، فبعثوا من يقبض عليه، فرفعه الله إليه وشبه لهم بعض الحواريين بمشيئة الله وقدره، فأخذوه فصلبوه واعتقدوا أنه هو ﴿وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (١٥٧) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾.

ثم بعد المسيح بنحو ثلثمائة سنة، دخل قسطنطين أحد ملوك اليونان في دين النصرانية، وكان فيلسوفا قبل ذلك، فدخل في دين النصارى، قيل: تقية، وقيل: حيلة ليفسده، فوضعت له الأساقفة منهم قوانين وشريعة وبدعًا أحدثوها، فبنى لهم الكنائس والبيع الكبار والصغار والصوامع والهياكل والمعابد والقلايات (*)، وانتشر دين النصرانية في ذلك الزمان، واشتهر على ما فيه من تبديل وتغيير وتحريف، ووضع وكذب ومخالفة لدين المسيح، ولم يبق على دين المسيح على الحقيقة منهم إلا القليل من الرهبان، فاتخذوا لهم الصوامع في البراري والمهامة (**) والقفار، واستحوذت يد النصارى على مملكة الشام والجزيرة وبلاد الروم، وبنى هذا الملك [٥] المذكور مدينة قسططنية والقمامة وبيت لحم، وكنائس ببلاد [٦] بيت المقدس ومدن حوران كبُصرى وغيرها من البلدان - بناءات هائلة محكمة، وعبدوا الصليب من حينئذ، وصلوا إن الشرق، وصوروا الكنائس، وأحلوا لحم الخنزير، وغير ذلك مما أحدثوه من الفروع في دينهم والأصول، ووضعوا له الأمانة [] [٧] الحقيرة التي يسمونها الكبيرة، وصنفوا له القوانين، وبسط هذا يطول [٨].


(*) جمع قلية، وهي كالصومعة، واسمها عند النصارى قلَّاية وهو تعريب؛ كلادة وهي من بيوت عادتهم.
(**) جمع مهمة وهو المفازة، والبرية: القفر.