للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عيني الأسد، فضرب [١] فخرج من منخره سِنَّوْر وسِنَّوْرة فأقبلا على الفأر. فقال له عيسى : كيف علم نوح أن البلاد قد غرقت؟ قال: بعث الغراب يأتيه بالخبر، فوجد جيفة فوفع عليها، فدعا عليه بالخوف فلذلك لا يألف البيوت. قال: ثم بعث الحمامة فجاءت بورق زيتون بمنقارها وطين برجليها، فعلم أن البلاد قد غرقت قال فطوقها الخضرة التي في عنقها، ودعا لها أن تكون في أنس وأمان، فمن ثم تألف البيوت. قال: فقلنا: يا رسول الله، ألا ننطلق به إلى أهلينا فيجلس معنا ويحدّثنا؟ قال: كيف يتبعكم من لا رزق له؟ قال: فقال له: عد بإذن الله، فعاد ترابًا.

وقوله: ﴿وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ﴾ أي: يطنزون (٥) به، ويكذبون [٢] بما يتوعدهم به من الغرق ﴿قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (٣٨) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾. وعيد شديد وتهديد أكيد ﴿مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ﴾ أي: يهينه في الدنيا ﴿وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ﴾ أي: دائم مستمر أبدًا [٣].

﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ (٤٠)

هذه مواعدة [٤] من الله تعالى لنوح إذا جاء أمر الله من الأمطار المتتابعة والهَتَّان الذي لا يقلع ولا يفتر، بل هو كما قال تعالى: ﴿فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (١١) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (١٢) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (١٣) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ﴾.

وأما قوله: ﴿وَفَارَ التَّنُّورُ﴾ فعن ابن عباس: التنور: وجه الأرض. أي: صارت الأرض عيونًا تفور، حتى فار الماء من التنانير التي هي مكان النار صارت تفور ماء، وهذا قول جمهور السلف وعلماء الخلف.

وعن علي بن أبى طالب : التنور: فلق الصبح، وتنوير الفجر وهو ضياؤه وإشراقه. والأول أظهر.

وقال مجاهد والشعبي: كان هذا التنور بالكوفة. وعن ابن عباس: عين بالهند. وعن قتادة: عين بالجزيرة يقال لها عين الوردة. وهذه أقوال غريبة.


[١]- سقط من: ز، خ.
(*) - طنزبه: سخر واستهزأ.
[٢]- مكانه في خ: بياض.
[٣]- في ز: " أبداد".
[٤]- في خ: "موعدة".