للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ومن هاهنا استدل من استدل بهذه الآية على أن الذبيح إنما هو إسماعيل، وأنه يمتنع أن يكون إسحاق؛ لأنه وقعت البشارة به وأنه سيولد له يعقوب، فكيف يؤمر إبراهيم بذبحه وهو طفل صغير، ولم يولد له بعد يعقوب الموعود بوجوده، ووعد الله حق لا خلف فيه، فيمتنع أن يؤمر بذبع هذا والحالة هذه، فتعين أن يكون هو إسماعيل، وهذا من أحسن الاستدلال وأصحه وأبينه، ولله الحمد.

﴿قَالَتْ يَاوَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا﴾ الآية. حكى قولها في هذه الآية كما حكى فعلها في الآية الأخرى، فإنها ﴿قَالَتْ يَاوَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ﴾، وفي الذاريات: ﴿فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ﴾ كما جرت به عادة النساء في أقوالهن وأفعالهن عند التعجب ﴿قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾ أي: قالت الملائكة لها: لا تعجبي من أمر الله، فإنه إذا أراد شيئًا أن يقول له: كن؛ فيكون. فلا تعجبي من هذا وإن كنت عجوزًا عقيمًا وبعلك شيخًا كبيرًا، فإن الله على ما يشاء قدير.

﴿رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ﴾ أي: هو الحميد في جميع أفعاله وأقواله، محمود ممجد في صفاته وذاته؛ ولهذا ثبت في الصحيحين (٦٢) أنهم قالوا: قد علمنا السلام عليك فكيف الصلاة عليك يا رسول الله؟ قال: "قولوا: اللهم، صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد".

﴿فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ (٧٤) إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (٧٥) يَاإِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (٧٦)[هود: ٧٤ - ٧٦]

يخبر تعالى عن إبراهيم أنه لما ذهب عنه الروع، وهو ما أوجس من الملائكة خيفة حين لم يأكلوا، وبشروه بعد ذلك بالولد، وأخبروه بهلاك قوم لوط، أخذ يقول كما قال سعيد بن جبير في الآية قال (٦٣): لما جاءه جبريل ومن معه قالوا له: ﴿إنا


(٦٢) - أخرجه البخاري، كتاب: الأنبياء، باب: (١٠)، (٣٣٧٠)، ومسلم، كتاب: الصلاة، باب: الصلاة على النبي بعد التشهد (٤٠٧)، وأبو داود (٩٧٦، ٩٧٧، ٩٧٨)، والترمذي (٤٨٣)، والنسائى (٣/ ٤٧)، وابن ماجة (٩٠٤)، وأحمد (١٨١٥٧) (٤/ ٢٤١) من حديث كعب بن عجرة، وسياق المصنف، مغاير في بعض الأحرف.
(٦٣) - أخرجه ابن أبي حاتم (٦/ ١١٠٤٠).