﴿مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ﴾ قال لهم: أتهلكون قرية فيها ثلثمائة مؤمن؟ قالوا: لا. قال: أفتهلكون قرية فيها مائتا مؤمن؟ قالوا: لا. قال: أفتهلكون قرية فيها أربعون مؤمنًا؟ قالوا: لا. قال: ثلاثون؟ قالوا: لا. حتى بلغ خمسة قالوا: لا؟ قال: أرأيتكم إن كان فيها رجل واحد مسلم أتهلكونها؟ قالوا: لا. فقال إبراهيم ﵇ عند ذلك: ﴿إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ﴾ الآية. فسكت عنهم واطمأنت نفسه. وقال قتادة وغيره قريبًا من هذا، زاد ابن إسحاق: أفرأيتم إن كان فيها مؤمن واحد؟ قالوا: لا. قال: فإن كان فيها لوط يدفع به عنهم العذاب؟ قالوا: ﴿نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا﴾ الآية.
وقوله: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ﴾ مدح لإِبراهيم بهذه الصفات الجميلة، وقد تقدم تفسيرها.
وقوله تعالى: ﴿يَاإِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ﴾ أي: إنه قد نفذ فيهم القضاء، وحقت عليهم الكلمة بالهلاك وحلول البأس الذي لا ورد عن القوم المجرمين.
يخبر تعالى عن قدوم رسله من الملائكة بعد ما أعلموا إبراهيم بهلاكهم، وفارقوه وأخبروه بإهلاك الله قوم لوط هذه الليلة، فانطلقوا من عنده فأتوا لوطًا، ﵇، وهو - على ما قيل - في أرض له، وقيل في منزله، ووردرا عليه وهم في أجمل صورة تكون؛ على هيئة شبان حسان الوجوه، ابتلاء من الله وله الحكمة والحجة البالغة، فساءه شأنهم وضاقت نفسه بسببهم، وخشي إن لم يضفهم أن يضيفهم أحد من قومه فينالهم بسوء ﴿وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ﴾.
قال ابن عباس وغير واحد: شديد بلاؤه. وذلك أنه علم أنه سيدافع عنهم ريشق عليه ذلك.
وذكر قتادة: أنهم أتوه وهو في أرض له فتضيفوه، فاستحيا منهم فانطلق أمامهم، وقال