لهم في أثناء الطريق كالمعرض لهم بأن ينصرفوا عنه: إنه والله يا هؤلاء، ما أعلم على وجه الأرض أهل بلد أخبث من هؤلاء، ثم مشى قليلاً ثم أعاد ذلك عليهم حتى كرره أربع مرات، قال قتادة: وقد كانوا أمروا أن لا يهلكوهم حتى يشهد عليهم نبيهم بذلك.
وقال السدي: خرجت الملائكة من عند إبراهيم نحو قرية لوط، فبلغوا نهر سدوم نصف النهار، ولقوا بنت لوط تسقى فقالوا: يا جارية، هل من منزل؟ فقالت: مكانكم حتى آتيكم، وفَرَقَتْ عليهم من قومها، فأتت أباها فقالت: يا أبتاه؛ أدرك فتيانًا على باب المدينة، ما رأيت وجوه قوم أحسن منهم لا يأخذهم قومك فيفضحوهم. وكان قومه نهوه أن يضيف رجلًا، فقالوا: خل عنا فلنضيف الرجال، فجاء بهم فلم يعلم بهم أحد إلا أهل بيته، فخرجت امرأته فأخبرت قومها، فجاءوا يهرعون إليه.
وقوله: ﴿يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ﴾ أي: يسرعون ويهرولون من فرحهم بذلك.
وقوله: ﴿وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ﴾ أي: لم يزل هذا من سجيتهم، حتى أخذوا وهم على ذلك الحال.
وقوله: ﴿قَالَ يَاقَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ﴾ يرشدهم إلى نسائهم، فإن النبي للأمة بمنزلة الوالد، فأرشدهم إلى ما هو أنفع لهم في الدنيا والآخرة، كما قال لهم في الآية الأخرى: ﴿أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (١٦٥) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ﴾، وقوله في الآية الأخرى: ﴿قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ أي: ألم ننهك عن ضيافة الرجال ﴿قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (٧١) لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾، وقال في هذه الآية الكريمة: ﴿هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ﴾ قال مجاهد: لم يكن بناته، ولكن كن من أمته، وكل نبي أبو أمته. وكذا روي عن قتادة وغير واحد.
وقال ابن جريج: أمرهم أن يتزوجوا النساء، ولم يعرض عليهم سفاحًا.
وقال سعيد بن جبير: يعني نساءهم هن بناته هو وهو أب لهم نبيهم. ويقال في بعض القراءات:(النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم).
وكذا روي عن الربيع بن أنس، وقتادة، والسدي، ومحمد بن إسحاق وغيرهم.
وقوله: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي﴾ أي: اقبلوا ما آمركم به من الاقتصار على نسائكم ﴿أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ﴾ أي: فيه خير يقبل ما آمره به، ويترك ما أنهاه عنه؟
﴿قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ﴾ أي: إنك لتعلم أن نساءنا لا أرب لنا فيهن ولا نشتهيهن ﴿وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ﴾ أي: ليس لنا غرض إلا في الذكور وأنت تعلم