يقول تعالى ﴿لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ﴾ قال ابن عباس: الزفير في الحلق، والشهيق في الصدر. أي: تنفسهم زفير وأخذهم النفس شهيق، لما هم [١] فيه من العذاب، عياذًا بالله من ذلك.
﴿خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾ قال الإِمام أبو جعفر بن جرير: من عادة العرب إذا أرادت أن تصف الشيء بالدوام أبدًا قالت: هذا دائم دوام السموات والأرض، وكذلك يقولون: هو باق ما اختلف الليل والنهار، وما سمر ابنا سمير، وما لألأت العُفْرُ بأذنابها، يعنون بذلك كلمة أبدًا، فخاطبهم جل ثناؤه بما يتعارفونه بينهم فقال: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾.
قلت ويحتمل أن المراد بـ "ما دامت السموات والأرض" الجنس؛ لأنه لا بد في عالم الآخرة من سموات وأرض، كما قال تعالى: ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ﴾؛ ولهذا قال الحسن البصري في قوله: ﴿مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾ قال: تبدل سماء غير هذه السماء، وأرض غير هذه الأرض، فما دامت تلك السماء وتلك الأرض. وقال ابن أبي حاتم (٨٢): ذكر عن سفيان بن حسين، عن الحكم، عن مجاهد، عن ابن عباس قوله: ﴿مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾ قال: لكل جنة سماء وأرض.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ما دامت الأرض أرضًا والسماء سماء.
وقد اختلف المفسرون في المراد من هذا الاستثناء على أقوال كثيرة، حكاها الشيخ أبو الفرج بن الجوزي في كتابه "زاد المسير"، وغيره من علماء التفسير، ونقل كثيرًا منها
(٨٢) - إسناده فيه انقطاع، تفسير ابن أبي حاتم (٦/ ١١٢٢٩).