للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

رجلين اختصما إليه [١] فأكثرا، فقال طاوس: اختلفتما فأكثرتما [٢]. فقال أحد الرجلين: لذلك خلقنا. فقال طاوس: كذبت! فقال: أليس الله يقول: ﴿وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾. قال: لم يخلقهم ليختلفوا ولكن خلقهم للجماعة والرحمة. كما قال الحكم بن أبان (١٢٠)، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: للرحمة خلقهم ولم يخلقهم للعذاب. وكذا قال مجاهد والضحاك وقتادة، ويرجع معنى هذا القول إلى قوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾.

وقيل: بل المراد وللرحمة والاختلاف خلقهم، كما قال الحسن البصري في رواية عنه في قوله: ﴿وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ قال: الناس مختلفون [٣] على أديان شتى ﴿إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ﴾ فمن رحم ربك غير مختلف. قيل [٤] له: فلذلك [٥] خلقهم. قال: خلق هؤلاء لجنته وخلق هؤلاء لناره، وخلق هؤلاء لرحمته، وخلق هؤلاء لعذابه.

وكذا قال عطاء بن أبي رباح والأعمش.

وقال ابن وهب: سألت مالكًا عن قوله تعالى: ﴿وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ قال: فريق في الجنة وفريق في السعير.

وقد اختار هذا القول ابن جرير وأبو عبيدة والفراء.

وعن مالك فيما رويناه [٦] عنه من التفسير ﴿وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ قال: للرحمة. وقال قوم: للاختلاف.

وقوله: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ يخبر تعالى أنه قد سبق في قضائه وقدره، لعلمه التام وحكمته النافذة - أن ممن [٧] خلقه من يستحق الجنة، ومنهم من يستحق النار، وأنه لابد أن يملأ جهنم من هذين الثقلين؛ الجن والإِنس، وله الحجة البالغة والحكمة التامة، وفي الصحيحين (١٢١) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله،


(١٢٠) - إسناده ضعيف، أخرجه ابن جرير (١٢/ ١٤٤) حدثني سعد بن عبد الله، ثنا حفص بن عمر ثنا الحكم بن أبان به، وحفص بن عمر هو العدني الصنعاني، ضعيف.
(١٢١) - أخرجه البخاري، كتاب: التفسير، باب: ﴿وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ﴾ (٤٨٤٩)، ومسلم =