للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ليخبرني هذا الجام [١] أنه كان لكم أخ عن أبيكم يقال له: يوسف، يدنيه دونكم، وأنكم انطلقتم به فألقيتموه في غيابة الجب. قال: ثم نقره فطن، قال: فأتيتم أباكم، فقلتم: إن الذئب أكله، وجئتم على قميصه بدم كذب. قال: فقال بعضهم لبعض إن هذا الجام ليخبره بخبركم.

قال ابن عباس [] فلا [٢] نرى هذه الآية نزلت إلا فيهم ﴿لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾.

﴿وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ (١٦) قَالُوا يَاأَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (١٧) وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (١٨)

يقول تعالى مخبرًا عن الذي اعتمده إخوة يوسف بعد ما ألقوه في غيابة الجب: أنهم [٣] رجعوا إلى أبيهم في ظلمة الليل يبكون، ويظهرون الأسف والجزع على يوسف، ويتغممون لأبيهم، وقالوا معتذرين عما وقع فيما زعموا: ﴿إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ﴾ أي: نترامى ﴿وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا﴾ أي: ثيابنا وأمتعتنا ﴿فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ﴾ وهو الذي كان قد جزع منه وحذر عليه.

وقولهم: ﴿وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ﴾ تلطف عظيم في تقرير ما يحاولونه، يقولون: ونحن نعلم أنك لا تصدقنا والحالة هذه لو كنا عندك صادقين، فكيف وأنت تتهمنا في ذلك؛ لأنك خشيت أن يأكله الذئب فأكله الذئب، فأنت معذور في تكذيبك لنا؛ لغرابة ما وقع، وعجيب ما اتفق لنا في أمرنا هذا.

﴿وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ﴾ أي: مكذوب مفترى، وهذا من الأفعال التي يؤكدون بها ما تمالئوا عليه من المكيدة، وهو أنهم عمدوا إلى سَخْلَة [٤] فيما ذكره مجاهد، والسدي وغير واحد - فذبحوها، ولطخوا ثوب يوسف بدمها، موهمين أن هذا قميصه


[١]- الجام: إناء للشراب أو الطعام يصنع من الفضة ونحوها.
[٢]- في خ: "لا".
[٣]- في ز، خ: "ثم".
[٤]- السخلة: الذكر والأنثى من ولد الضأن والمعز ساعة يولد.