للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال سفيان (٦٥)، عن منصور، عن مجاهد، عن ربيعة الجرشي قال: قسم الحسن نصفين؛ فأعطي يوسف وأمه سارة نصف الحسن، والنصف الآخر بين سائر الخلق.

وقال الإِمام أبو القاسم السهيلي: معناه أن يوسف، ، كان على النصف من حسن آدم، ، فإن الله خلق آدم بيده على أكمل صورة وأحسنها، ولم يكن في ذريته من يوازيه في جماله، وكان يوسف قد أعطي شطر حسنه.

فلهذا قال هؤلاء النسوة عند رؤيته: ﴿حاش لله﴾ قال مجاهد وغير واحد: معاذ الله! ﴿ما هذا بشرًا﴾، وقرأ بعضهم ﴿ما هذا بِشِرًى﴾. أي: بمشتري بشراء [١]- ﴿إن هذا إلا ملك كريم* قالت فذلكن الذي لمتنني فيه﴾ تقول هذا معتذرة إليهن بأن هذا حقيق بأن [٢] يحب لجماله وكماله.

﴿ولقد راودته عن نفسه فاستعصم﴾ أي: فامتنع، قال بعضهم: لما رأين جماله الظاهر [٣] أخبرتهن بصفاته الحسنة التي تخفى عنهن، وهي العفة مع هذا الجمال، ثم قالت تتوعده: ﴿ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونًا من الصاغرين﴾ فعند ذلك استعاذ يوسف، ، من شرهن وكيدهن، وقال: ﴿رب السجن أحب إليَّ مما يدعونني إليه﴾ أي: من الفاحشة ﴿وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن﴾ أي: إن وكلتني إلى نفسي فليس لي منها [٤] قدرة، ولا أملك لها ضرًّا، ولا نفعًا، إلا بحولك، وقوتك، أنت المستعان، وعليك التكلان، فلا تكلني إلى نفسي.

﴿أصب إليهن وأكن من الجاهلين * فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم﴾ وذلك أن يوسف، ، عصمه الله عصمة عظيمة وحماه، فامتنع منها أشد الامتناع، واختار السجن على ذلك، وهذا في غاية مقامات الكمال: أنه مع شبابه وجماله وكماله، تدعوه سيدته، وهي امرأة عزيز مصر، وهي مع هذا في غاية الجمال والمال والرياسة، ويمتنع من ذلك، ويختار السجن على ذلك؛ خوفًا من الله


(٦٥) - إسناده صحيح موقوف، أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (٧/ ك الفضائل، ب (١٣) ح ٢)، وابن أبي حاتم (٧/ ١١٥٦٠)، وابن جرير (١٦/ ١٩٢٣٠) من طريقين عن سفيان به، وتابعه جرير عن منصور به، أخرجه ابن جرير أيضًا (١٦/ ١٩٢٣٢) وربيعة الجرشي مختلف في اسم أبيه، وفي صحبته، فقيل هو ابن عمرو، وقيل: ابن الغاز، قال ابن عساكر: الأول أصح، ذكره ابن سعد فيمن نزل الشام من الصحابة، وقال أبو حاتم: ليس له صحبة، وقال الدارقطني: في صحبته نظر. انظر "الإصابة" (٣/ ت ١٩٠٦).