للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ابن مسعود، والضحاك بن مزاحم: (ووصى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه)، ولهذا قرن بعبادته بر الوالدين فقال: ﴿وَبِالْوَالِدَينِ إِحْسَانًا﴾، أي: وأمر بالوالدين إحسانًا كما قال في الآية الأخرى: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾

وقوله [١]: ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ﴾، [أي: لا تسمعهما قولا سيئًا حتى ولا التأفيف الذي هو أدنى مراتب القول السيئ] [٢]، ﴿وَلَا تَنْهَرْهُمَا﴾ أي: ولا يصدر منك إليهما فعل قبيح، كما قال عطاء بن أبي رباح في قوله: ﴿وَلَا تَنْهَرْهُمَا﴾، أي: لا تنْفُض يدك [٣] على والديك. ولما نهاه عن القول القبيح، والفعل القبيح أمره بالقول الحسن، والفعل الحسن؛ فقال: ﴿وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾ أي ليَّنًا، طيَّبًا، حسنًا بأدب، وتوفير، وتعظيم.

﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ﴾، أي: تواضع لهما بفعلك ﴿وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا﴾، أي: في كبرهما، وعند وفاتهما ﴿كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾.

قال [٤] ابن عباس: ثم أنزل الله: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى﴾.

وقد جاء في بر الوالدين أحاديث كثيرة، منها الحديث المروي من طرق عن أنس (١١٩) وغيره، أن رسول الله لما صعد المنبر قال: "آمين آمين آمين". فقالوا: يا رسول الله، علام أمّنت؟ قال: "أتاني جبريل قال: يا محمد، رَغِم أنفُ امرئ ذُكرتَ عنده فلم يصلِّ عليك، فقل: آمين. فقلت: آمين. ثم قال: [] [٥] رَغِم أنفُ امريء دخل عليه شهر رمضان ثم خرج ولم يغفر له، قل: آمين. فقلت: آمين. ثم قال: رَغِمَ أنفُ امرئ أدرك أبويه -أو أحدهما- فلم يدخلاه الجنة، قل: آمين. فقلت: آمين".

حديث آخر: قال الإمام أحمد (١٢٠): حدثنا هشيم، حدثنا علي بن زيد، أخبرنا زرارة بن أوفى عن مالك بن الحارث -رجل منهم- أنه سمع النبي


(١١٩) - أما حديث أنس فأخرجه البزار- مختصر الزوائد - (٢١٧٤) - (٢/ ٤٤١) حدثنا محمد بن معمر، ثنا جعفر بن عون عن سلمة بن وردان عن أنس ذكره. وقال الهيثمي في "المجمع - (١٠/ ١٦٩): "رواه البزار وفيه سلمة بن وردان وهو ضعيف وفد قال فيه البزار: صالح، وبقية رجاله رجال الصحيح".
قلت: وباقي كلام البزار … وله أحاديث يستوحش بها" فلعل هذا الصلاح في نفسه ودينه- والعلم عند الله تعالى. لكن الحديث قد صح عن عدد من الصحابة ولله الحمد- ففي الباب: حديث أبي هريرة: أخرجه البخاري في الأدب المفرد (٦٤٦) وابن حبان في صحيحه (٩٠٧). وجابر بن عبد الله- عند البخاري في الأدب (٦٤٤) وصححه الألباني في صحيح الأدب (٥٠٠). وعمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود وكعب بن عجرة- انظر مجمع الزوائد (١٠/ ١٦٧ - ١٧٠).
(١٢٠) - المسند - (٤/ ٣٤٤)، (٥/ ٢٩). والطبراني في الكبير (٦٧٠) (١٩/ ٣٠٠) من طريق أبي الربيع الزهراني حدثنا هشيم به. وذكره الهيثمي في "المجمع" (٤/ ٢٤٦) وقال: " رواه أحمد والطبراني علي بن زيد وحديثه حسن وقد ضعف". وقال في (٨/ ١٦٣ - ١٦٤) "رواه أحمد والطبراني وفيه علي بن زيد وهو حسن الحديث، وبقية رجاله رجال الصحيح" والراجح في علي بن زيد الضعف والله أعلم.