يجمعوا [١] له من بينهم مالًا يعطونه إيَّاه؛ حتَّى يجعل لأنَّه ولكنهم سدًّا، فقال ذو القرنين بعفة وديانة وصلاح وقصد للخير: ﴿مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيرٌ﴾ أي: إن الذي أعطاني الله من الملك والتمكين خير لي من الذي تجمعونه، كما قال سليمان ﵇: ﴿أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ﴾، وهكذا قال ذو القرنين: الذي أنا فيه خير من الذي تبذلونه، ولكن ساعدوني ﴿بِقُوَّةٍ﴾، أي: بعملكم وآلات البناء ﴿أَجْعَلْ بَينَكُمْ وَبَينَهُمْ رَدْمًا آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ﴾ والزبر: جمع زبرة، وهي القمة منه. قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة: وهي كاللبنة، قال: كل لبنة زنة [٢] قنطار بالدمشقي، أو تزيد عليه.
﴿حَتَّى إِذَا سَاوَى بَينَ الصَّدَفَينِ﴾ أي: وضع بعضها [٣] على بعض من الأساس، حتَّى إذا حاذى به رءوس الجبلين طُولًا وعرضًا، واختلفوا في مساحة [٤] عرضه وطوله على أقوال ﴿قَال انْفُخُوا﴾ أي: أجج عليه النَّار حتَّى صار كله نارًا [٥] ﴿قَال آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيهِ قِطْرًا﴾ قال ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، والضَّحَّاك، وقتادة، والسدى: هو النحاس. وزاد بعضهم: المذاب. ويستشهد بقوله تعالى: ﴿وَأَسَلْنَا لَهُ عَينَ الْقِطْرِ﴾ ولهذا يشبه بالبرد [٦] المحبر.
قال ابن جرير (١٢٠): حدَّثنا بشر، حدَّثنا يزيد، حدَّثنا سعيد، عن قتادة، قال: ذكر لنا أن رجلًا قال: يا رسول الله؛ قد رأيتُ سدَّ يأجوج ومأجوج. قال:"انعته لي". قال: كالبرد المحبر، طريقة سوداء، وطريقة حمراء. قال:"قد رأيته". هذا حديث مرسل.
وقد بعث الخليفة الواثق في دولته بعض أمرائه، ووجه معه جيشًا سرية؛ لينظروا إلى السد ويعاينوه، وينعتوه له إذا رجعوا، فتوصلوا من بلاد الي بلاد، ومن ملك إلى ملك، حتَّى وصلوا إليه، ورأوا بناءه من الحديد ومن النحاس، وذكروا أنهم رأوا فيه بابا عظيمًا، وعليه أقفال عظيمة، ورأوا بقية اللبن والعمل في برج هناك، وأن عنده حرسًا من الملوك المتاخمة له، وأنَّه عال منيف شاهق، لا يستطاع، ولا ما حوله من الجبال، ثم رجعوا إلى بلادهم، وكانت غيبتهم أكثر من سنتين، وشاهدوا أهوالًا وعجائب [٧]
(١٢٠) أخرجه ابن جرير في تفسيره (١٦/ ٢٣). وزاد نسبته السيوطي في الدر المنثور (٤/ ٤٥١) إلى ابن مردويه.