للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إلا بِإِذْنِهِ﴾، أي: لو شاء لأذن للسماء فسقطت على الأرض، فهلك من فيها، ولكن من لطفه ورحمته وقدرته، يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، ولهذا قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ أي: مع ظلمهم، كما قال في الآية الأخرى: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ﴾.

وقوله: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ﴾ كقوله: ﴿كَيفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيهِ تُرْجَعُونَ﴾ وقوله: ﴿قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيبَ فِيهِ﴾، وقوله: ﴿قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَينِ وَأَحْيَيتَنَا اثْنَتَينِ﴾ ومعنى الكلام: كيف تجعلون [مع الله] [١] أندادًا وتعبدون معه غيره، وهو المستقل بالخلق والرزق والتصرف، ﴿وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ﴾، أي: خلقكم بعد أن لم تكونوا شيئًا يذكر فأوجدكم، ﴿ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ﴾، أي: يوم القيامة ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ﴾، أي: جحود.

﴿لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ (٦٧) وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (٦٨) اللَّهُ يَحْكُمُ بَينَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٦٩)

يخبر تعالى أنه جعل لكل قوم منسكًا.

قال ابن جرير: يعني لكل أمة نبي منسكًا. قال: وأصل المنسك في كلام العرب هو الموضع الذي يعتاده الإِنسان ويتردد إليه، إما لخير أو شر. قال: ولهذا سميت مناسك الحج بذلك؛ لترداد الناس إليها وعكوفهم عليها.

فإن كان كما قال من أن المراد: لكل أمة نبي جعلنا منسكًا، فيكون المراد بقوله: ﴿فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ﴾، أي: هؤلاء المشركرن، وإن كان المراد: لكل أمة جعلنا منسكًا جعلًا قدريًّا، كما قال: ﴿وَلِكُلٍّ وجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا﴾، ولهذا قال هاهنا: ﴿هُمْ نَاسِكُوهُ﴾، أي: فاعلوه فالضمير هاهنا عائد على هؤلاء الذين لهم مناسك وطرائق، أي: هؤلاء إنما يفعلون هذا عن قدر الله وإرادته، فلا تتأثر بمنازعتهم لك، ولا يصرفك ذلك عما


[١]- في ت: "لله".