للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، حدثنا ابن بكير، حدثني ابن لهيعة، حدثني عطاء بن دينار، حدثني سعيد بن جبير قال [١]: قال ابن عباس: خلق الله اللوح المحفوظ مسيرة مائة عام، وقال للقلم قبل أن يخلق الخلق وهو علي العرش : اكتب. فقال القلم: وما أكتب؟ قال: علمي في خلقي إلي يوم تقوم الساعة. فجرى القلم بما هو كائن في علم الله إلي يوم القيامة، فذلك قوله للنبي، : ﴿[أَلَمْ تَعْلَمْ] [٢] أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾.

وهذا من تمام علمه تعالى أنه علم الأشياء قبل كونها، وقدرها وكتبها أيضًا، فما العباد عاملون قد علمه تعالى قبل ذلك، علي الوجه الذي يفعلونه، فيعلم قبل الخلق أن هذا يطيع باختياره، وهذا يعصى باختياره، وكتب ذلك عنده، وأحاط بكل شيء علمًا، وهو سهل عليه يسير لديه، ولهذا قال تعالى: ﴿إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾.

﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (٧١) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٧٢)

يقول تعالى مخبرًا عن المشركين فيما جهلوا وكفروا، وعبدوا من دون الله ﴿مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا﴾، يعني: حجة وبرهانًا، كقوله: ﴿وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾، ولهذا قال هاهنا: ﴿مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ﴾، أي: ولا علم لهم فيما اختلفوه وائتفكوه، وإنما هو أمر [٣] تلقوه عن آبائهم وأسلافهم، بلا دليل ولا حجة، وأصله مما سوّل لهم الشيطان وزينه لهم، ولهذا توعدهم تعالى بقوله: ﴿وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ﴾، أي: من ناصر ينصرهم من الله، فيما يحل بهم من العذاب والنكال.

ثم قال: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ﴾، أي: وإذا ذكرت لهم آيات [٤] القرآن، والحجج والدلائل الواضحات على توحيد الله، وأنه لا إله إلا هو، وأن رسله الكرام حق


[١]- سقط من ز، خ.
[٢]- سقط من ز.
[٣]- سقط من خ.
[٤]- في خ: "آي".