للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالحنيفية السمحة" (١٧١) وقال لمعاذ وأبي موسى حين بعثهما أميرين إلى اليمن: "بشرا ولا تنفرا، ويسِّرا ولا تعسِّرا" (١٧٢) والأحاديث في هذا كثيرة، ولهذا قال ابن عباس في قوله: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾، يعني: من [١] ضيق.

وقوله: ﴿مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ﴾، قال ابن جرير: نصب علي تقدير: ﴿مَا جَعَلَ عَلَيكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾، أي: من ضيق، بل وسَّعه عليكم كملة أبيكم إبراهيم. [قال: ويحتمل أنه منصوب علي تقدير: الزموا ملة أبيكم إبراهيم] [٢].

قلت: وهذا المعنى في هذه الآية كقوله: ﴿قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾ الآية. وقوله: ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا﴾، قال الإمام عبد الله بن المبارك: عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس في قوله: ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ﴾ قال: الله ﷿ وكذا قال مجاهد وعطاء والضحاك والسدي ومقاتل بن حيان وقتادة.

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ﴾، يعني: إبراهيم، وذلك لقوله: ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَينِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ﴾. قال ابن جرير: وهذا لا وجه له؛ لأنه من المعلوم أن إبراهيم لم يسم هذه الأمة في القرآن مسلمين، وقد قال الله تعالى: ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا﴾. قال مجاهد: الله سماكم المسلمين من قبل في الكتب المتقدمة، وفي الذكر، ﴿وَفِي هَذَا﴾ يعني: القرآن. وكذا قال غيره.

قلت [٣]: وهذا هو الصواب، لأنه تعالى قال: ﴿هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ ثم حثهم وأغراهم علي ما جاء به الرسول، ، بأنه ملة أبيهم إبراهيم الخليل، ثم ذكر منته تعالى علي هذه الأمة بما نوَّه به من ذكرها، والثناء عليها في سالف الدهر وقديم الزمان، في كتب الأنبياء، يتلى علي الأحبار والرهبان،


(١٧١) رواه أحمد (٢٢٣٩١) (٥/ ٢٦٦)، من حديث علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة مرفوعًا في حديث طويل، وأخرجه الطبراني في الكبير (٨/ ٢٥٧ / رقم:٧٨٦٨) من نفس طريق أحمد، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٥/ ٢٧٩) وعزاه لأحمد والطبراني في الكبير وقال: "وفيه علي بن يزيد الألهاني، وهو ضعيف". وأخرجه ابن سعد في الطبقات (١/ ١٩٢) من حديث حبيب بن أبي ثابت مرفوعًا- وهو مرسل، وفي إسناده برد الحريري لا يعرف.
(١٧٢) رواه البخاري في صحيحه برقم (٣٠٣٨)، ومسلم في صحيحه برقم (١٧٣٢).